للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله:

٣٣- «يحسب النّاظرون أني ابن ماء ... ذاكر عشّه بضفّة نهر»

فإن الجنّيّ إذا طار به في جوّ السماء ظنّ كلّ من رآه أنّه طائر ماء.

١٨٢٨-[قولهم: أروى من ضبّ]

وأما قولهم في المثل: «أروى من ضبّ» فإني لا أعرفه، لأنّ كلّ شيء بالدوّ والدّهناء والصّمّان، وأوساط هذه المهامه والصحاصح فإن جميع ما يسكنها من الحشرات والسّباع لا يرد الماء ولا يريده، لأنه ليس في أوساط هذه الفيافي في الصّيف كله وفي القيظ جميعا منقع ماء، ولا غدير، ولا شريعة، ولا وشل [١] . فإذا استقام أن يمرّ بظبائها وأرانبها وثعالبها وغير ذلك منها الصّيفة كلّها، والقيظ كله، ولم تذق فيها قطرة ماء، فهي له في الشتاء أترك، لأنّ من اقتات اليبس إذا لم يشرب الماء فهو إذا اقتات الرّطب أترك.

وليس العجب في هذا، ولكنّ العجب في إبل لا ترد الماء.

وزعم الأصمعيّ أنّ لبني عقيل ماعزا لم يرد الماء قطّ [٢] . فينبغي على ذاك أن يكون واديهم لا يزال يكون فيه من البقل والورق ما يعيشها بتلك الرّطوبة التي فيها.

ولو كانت ثعالب الدّهناء وظباؤها وأرانبها ووحشها تحتاج إلى الماء لطلبته أشدّ الطلب، فإن الحيوان كلّه يهتدي إلى ما يعيشه، وذلك في طبعه وإنما سلب هذه المعارف الذين أعطوا العقل والاستطاعة فوكلوا إليهما.

فأمّا من سلب الآلة التي بها تكون الرّويّة والأداة التي يكون بها التصرّف، وتخرج أفعاله من حد الإيجاب إلى حد الإمكان، وعوّض التمكين، فإن سبيله غير سبيل من منح ذلك، فقسم الله تعالى لتلك الكفاية، وقسم لهؤلاء الابتلاء والاختيار.

١٨٢٩-[قصيدتا بشر بن المعتمر]

أوّل ما نبدأ قبل ذكر الحشرات وأصناف الحيوان والوحش بشعري بشر بن المعتمر، فإن له في هذا الباب قصيدتين، قد جمع فيهما كثيرا من هذه الغرائب


[١] الوشل: الماء القليل يتحلب من جبل أو صخرة.
[٢] تقدم القول في ٥/٤٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>