للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسد إذا أخذ الشّاة ولم تتابعه، ولم تعنه على نفسها، فربما اضطرّ الأسد إلى أن يجرّها إلى عرينه. وإذا أخذها الذئب عدت معه حتّى لا يكون عليه فيها مؤونة، وهو إنما يريد أن ينحّيها [١] عن الراعي والكلب، وإن لم يكن في ذلك الوقت هناك كلب ولا راع، فيرى أن يجري على عادته.

وكذلك الدّجاج إذا كنّ وقّعا على أغصان الشّجر، أو على الرّفوف، فلو مرّ تحتها كلّ كلب. وكلّ سنّور، وكلّ ثعلب، وكلّ شيء يطالبها، فإذا مرّ ابن آوى بقربها لم يبق منها واحدة إلّا رمت بنفسها إليه [٢] . لأنّ الذّئب هو المقصود به إلى طباع الشاة، وكذلك شأن ابن آوى والدّجاج، يخيّل إليها أن ذلك مما ينفع عنده.

وللجبن تفعل كلّ هذا.

ولمثل هذه العلّة نزل المنهزم عن فرسه الجواد؛ ليحضر ببدنه، يظنّ اجتهاده أنجى له، وأنّه إذا كان على ظهر الفرس أقلّ كدّا، وأنّ ذلك أقرب له إلى الهلاك.

ولمثل هذه العلّة يتشبّت الغريق بمن أراد إنقاذه حتّى يغرقه نفسه، وهما قبل ذلك قد سمعا بحال الغريق والمنهزم، وأنّهما إنّما هما في ذلك كالرجل المعافى الذي يتعجّب ممن يشرب الدّواء من يد أعلم النّاس به، فإن أصابته شقيقة، أو لسعة عقرب، أو اشتكى خاصرته، أو أصابه حصر أو أسر [٣] شرب الدّواء من يد أجهل الخليقة، أو جمع بين دواءين متضادّين.

فالأشياء التي تعلم أنّ سلاحها في أذنابها ومآخرها الزّنبور والثّعلب والعقرب والحبارى، والظّربان، وسيقع هذا الباب في موضعه إن شاء الله تعالى.

وليس شيء من صنف الحيوان أردأ حيلة عند معاينة العدوّ من الغنم؛ لأنها في الأصل موصولة بكفايات النّاس، فأسندت إليهم في كل أمر يصيبها، ولولا ذلك لخرّجت لها الحاجة ضروبا من الأبواب التي تعينها. فإذا لم يكن لها سلاح ولا حيلة، ولم تكن ممن يستطيع الانسياب إلى جحره أو صدع صخرة، أو في ذروة جبل.

كانت مثل الدّجاجة، فإنّ أكثر ما عندها من الحيلة إذا كانت على الأرض أن ترتفع إلى رفّ. وربّما كانت في الأرض، فإذا دنا المغرب فزعت إلى ذلك.


[١] ينحيها: يبعدها.
[٢] انظر ما تقدم في ٢/٢٨٢، س ١٧- ٢٠.
[٣] الحصر: احتباس الغائط، الأسر: احتباس البول.

<<  <  ج: ص:  >  >>