للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٠٤٦-[منطق الطير]

ولها منطق تتفاهم بها حاجات بعضها إلى بعض. ولا حاجة بها إلى أن يكون لها في منطقها فضل لا تحتاج إلى استعماله. وكذلك معانيها في مقادير حاجاتها.

٢٠٤٧-[بعض ما قيل في العقل]

وقيل لرجل من الحكماء: متى عقلت؟ قال: ساعة ولدت. فلما رأى إنكارهم لكلامه قال: أمّا أنا فقد بكيت حين خفت، وطلبت الأكل حين جعت، وطلبت الثّدى حين احتجت، وسكتّ حين أعطيت. يقول هذه مقادير حاجاتي، ومن عرف مقادير حاجاته إذا منعها، وإذا أعطيها، فلا حاجة به في ذلك الوقت إلى أكثر من ذلك العقل. ولذلك قال الأعرابيّ «١» : [من الطويل]

سقى الله أرضا يعلم الضّبّ أنّها ... بعيد من الآفات طيبة البقل

بني بيته منها على رأس كدية ... وكلّ امرئ في حرفة العيش ذو عقل

٢٠٤٨-[منطق الطير وعقله]

فإن قال قائل: ليس هذا بمنطق، قيل له: أما القرآن فقد نطق بأنّه منطق، والأشعار قد جعلته منطقا، وكذلك كلام العرب، فإن كنت إنما أخرجته من حدّ البيان، وزعمت أنّه ليس بمنطق لأنك لم تفهم عنه، فأنت أيضا لا تفهم كلام عامّة الأمم؛ وأنت إن سمّيت كلامهم رطانة وطمطمة فإنّك لا تمتنع من أن تزعم أنّ ذلك كلامهم ومنطقهم، وعامّة الأمم أيضا لا يفهمون كلامك ومنطقك، فجائز لهم أن يخرجوا كلامك من البيان والمنطق. وهل صار ذلك الكلام منهم بيانا ومنطقا إلّا لتفاهمهم حاجة بعضهم إلى بعض، ولأنّ ذلك كان صوتا مؤلّفا خرج من لسان وفم، فهلّا كانت أصوات أجناس الطير والوحش والبهائم بيانا ومنطقا إذ قد علمت أنّها مقطعة مصوّرة، ومؤلّفة منظمة، وبها تفاهموا الحاجات، وخرجت من فم ولسان، فإن كنت لا تفهم من ذلك إلّا البعض، فكذلك تلك الأجناس لا تفهم من كلامك إلّا البعض.

وتلك الأقدار من الأصوات المؤلّفة هي نهاية حاجاتها والبيان عنها، وكذلك أصواتك المؤلّفة هي نهاية حاجاتك وبيانك عنها. وعلى أنّك قد تعلّم الطّير الأصوات فتتعلّم، وكذلك يعلّم الإنسان الكلام فيتكلّم، كتعليم الصبيّ والأعجميّ. والفرق

<<  <  ج: ص:  >  >>