للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهل رغبت في صيده الملوك واحتالت له التجار، أو تمنّى الظّفر بأجزائه بعض الأطبّاء. وهل يصلح لدواء أو غذاء أو لبس، إنّما غاية البحريّين أن يسلموا من عبثه إن هجموا عليه نائما أو غافلا، حتّى ينفر ويفزع وينبّه بقرع العصا، واصطكاك الخشب.

وإنما قدّمنا خصال الفيل على خصال الحيوان الذي في كفّه ومنقاره الصنعة العجيبة، أو يكون فيه من طريف المعرفة، وغريب الحس، وثقوب البصر، أو بعض ما فيه من الجمال والحسن، ومن التفاريج ومن التّحاسين، والوشي والتلاوين، بالتأليف العجيب، والتّنضيد الغريب، أو بعض ما في حنجرته من الأصوات الملحّنة، والمخارج الموزونة، والأغاني الدّاخلة في الإيقاع، الخارجة من سبيل الخطأ، ممّا يجمع الطّرب والشّجا، ومما يفوق النوائح ويروق كلّ مغنّ، حتى يضرب بحسن تخريجه وصفاء صوته وشجا مخرجه المثل، حتى يشبّه به صوت المزمار والوتر.

وأما بعض ما يعرف بالمكر والحيل، والكيس والرّوغان، وبالفطنة وبالخديعة، والرّفق والتكسّب، والعلم بما يعيشه والحذر ممّا يعطبه، وتأتّيه لذلك وحذقه به؛ وأمّا بعض ما يكون في طريق الثّقافة يوم الثّقافة والبصر بالمشاولة «١» ، والصّبر على المطاولة، والعزم والرّوغان، والكرّ والجولان، ووضع تلك التدابير في مواضعها حتى لا تردّ له طعنة ولا تخطئ له وثبة، وأما بعض ما يعرف بالنّظر في العاقبة وبإحكام شأن المعيشة والأخذ لنفسه بالثقة، وبالتقدّم في حال المهلة والادّخار ليوم الحاجة، والأجناس التي تدّخر لأنفسها ليوم العجز عن الطلب والتكسّب- فمثل الذّرّة، والنملة، والجرذ والفأرة، وكنحو العنكبوت والنّحل.

فإذا كان ليس للفيل إلا عظمه وإن كان العظم قد يدخل في باب من أبواب المفاخرة، فلا ينبغي لأحد أن يناهد «٢» به الأبدان التي لها الخصال الشّريفة، ويناضل به ذوات المفاخر العظيمة. فما ظنّك ببدن قد جمع مع العظم من الخصال الشريفة ما يفني الطّوامير الكثيرة، ويستغرق الأجلاد الواسعة. وقد علمت أنّ من جهل هذه السمكة بما يعيشها ويصلحها أنّها شديدة الطّلب والشّهوة لأكل العنبر. والعنبر أقتل للبال من الدّفلى للدوابّ، فإذا أصابوه ميّتا استخرجوا من جوفه عنبرا كثيرا فاسدا.

وما فيه من النفع إلّا أنّ دهنه يصلح لتمرين سفن البحريين.

<<  <  ج: ص:  >  >>