للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحبه، وكأنّ التمساح ضرب الأسد بذنبه في الشريعة، وضغم الأسد رأسه فماتا جميعا.

قال: والفرس المائيّ بالنّيل يقتل التّماسيح ويقهرها ويأكلها ولا يساجلها الحرب، ولا تقع بينهما مغالبة ومجاذبة، وتكون الأيام بينهما دولا. فهذه فضيلة ظاهرة على الأسد، وشرف فرس الماء راجع إلى فرس الأرض، فإن كان فرس الأرض لا يقوى على الأسد ولا على النّمر ولا على الببر، فإن ابن عمّه وشكله في الجنس قد قوي على التّمساح وهو رئيس سكان الماء.

قالوا: أمّا واحدة فإن التمساح ليس برئيس سكان الماء إلا أن تريد بعض سكان الأودية والأنهار والخلجان والبحيرات في بعض المياه العذبة. والكوسج واللّخم والسّرطان والدّلفين وضروب من السباع مما يعايش السّمك ليس التمساح من بابه.

وعلى أن التمساح إنما يأكله ذلك الفرس وهو في الماء، وليس للتمساح في جوف الماء كبير عمل إلا أن يحتمل شيئا بذنبه ويحتجنه «١» إليه، ويدخله الماء، وربّما خرج إلى الأرض للسّفاد ولحضن البيض، فلا يكون على ظهر الأرض شيء أذلّ منه.

وذلّه على ظهر الأرض شبيه بذلّ الأسد في وسط الماء الغمر «٢» . ولعمري أن لو عرض له هذا الفرس في الشرائع فغلبه لقد كان ذلك من مفاخره، فلذلك لم تذكر الخيل في باب الغلبة، والقتال والمساجلة، والانتصاف من الأعداء.

والفرس قد يقاتل الفرس في المروج إذا أراد أن يحمي الحجور، كما يحمي العير العانة ويقاتل دونها كلّ عير يريد مشاركته فيها، وهذا شيء يعرض لجميع الفحولة في زمن الهيج.

وقد يصاول الجمل الجمل فربّما قتل أحدهما صاحبه، ولكنّ هذه الفحولة لا تعرض لشيء من الحيوان في غير هذا الباب.

وإن أراد الفرس أسد، فليس عنده من إحراز نفسه وقتل عدوّه ما عند الجاموس، فإن فضله الجاموس بقرنيه، فإن السّلاح الذي في فم الفرس لو استعمله لكان سلاحا، ولو استدبر الأسد فركله ورمحه وعضّه بفيه، لكان ذلك ممّا يدفع عنه ويحمي لحمه.

وليس للجاموس في أظلافه وفي يديه ورجليه وفي فمه سلاح، فقد دلّت الحال على أنّ مدار الأمر إنّما هو في شجاعة القلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>