للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والغراب، ورويتم في الكلب العقور، وكيف يقتلن في الحل والحرم. فإن كنتم فقهاء فقد علمتم أنّ تسمية الغراب بالفسق، والفأرة بالفويسقة؛ أنّ ذلك ليس من شكل تسمية الفاسق، ولا من شكل تسمية إبليس.

وقد قالوا: ما فجرها إلّا فاجر، ولم يجعلوا الفاجر اسما له لا يفارقه. وقد يقال للفاسق من الرجال: خبيث. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من أكل من هذه الشّجرة الخبيثة فلا يقربنّ مصلّانا» وهو على غير قوله عزّ وجلّ الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ

«١» . وقد قال بعض الرّجّاز وذكر ذئبا: [من الرجز]

أما أتاك عنّي الحديث ... إذ أنا بالغائط أستغيث

والذئب وسط غنمي يعيث ... وصحت بالغائط يا خبيث

وهذا الباب كثير، وليس هذا موضعه، وقد ذكرناه في كتاب الاسم والحكم.

وقد يشبه الاسم الاسم في صورة تقطيع الصوت، وفي الخطّ في القرطاس، وإن اختلفت أماكنه ودلائله. فإذا كان كذلك فإنّما يعرف فضله بالمتكلّمين به، وبالحالات والمقالات، وبالذين عنوا بالكلام. وهذه جملة، وتفسيرها يطول.

وقالوا: قد أمرنا بقتل الحيّة والعقرب، والذئب والأسد، على معنى ينتظم معنيين: أحدهما الامتحان والتعبّد بفكر القلب وعمل الجارحة، لا على وجه الانتقام والعقوبة. وأمرنا بضرب الباغي بالسيف إذا كانت العصى لا تغني فيه على جهة الدّفع وعلى جهة العقاب، ولم نؤمر بالقصد إلى قتله، وإنّما الغاية في دفع بأسه عنا، فإن أتى إلى ذلك المقدار عليه، كان كسارق مات من قطع يده، وقاذف مات عن جلد ظهره.

وقد أمرنا بالقصد إلى قتل الحيّات والعقارب وإن لم تعرض لنا في ذلك الوقت؛ لأنّ جنسها الجنس المتلف متى همّ بذلك. وليس لنا أن نضرب الباغي بالسّيف إلّا وهو مقبل غير مدبر، ولنا أن نقتل الحيّة مقبلة ومدبرة، كما يقتل الكافر مقبلا ومدبرا؛ إلّا أنّ قتل الكافر يجمع الامتحان والعقوبة، وليس في قتل الحية إلّا الامتحان. وقد كان يجوز أن تمتحن بحبسها والاحتيال لمنعها، دون قتلها. وإذا ولّى الباغي من غير أن يكون يريد الرجوع إلى فئة، فحكمه الأسر والحبس أبدا إلى أن يؤنس منه النّزوع.

وسبيل الأحناش والسّباع وذوات السموم من الهمج والحشرات، القتل مقبلة ومدبرة.

وقد أبيح لنا قتل ضروب من الحيوان عند ما يبلغ من جناياتها علينا الخدش، فضلا من الجرح والقتل، كالبعوض والنمل، والبراغيث والقمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>