للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يعتري سباع الطير شبيه بالقيء، وهو الذي يسمّونه «الزّمّج» [١] . وبعض السّمك يقيء قيئا ذريعا، كالبال [٢] ، فإنّه ربّما دسع الدّسعة، فتلقى بعض المراكب، فيلقون من ذلك شدّة. والناقة الضجور ربّما دسعت بجرّتها في وجه الذي يرحلها أو يعالجها، فيلقى من ذلك أشدّ الأذى. ومعلوم أنّها تفعل ذلك على عمد.

فلذوات الأقدام في ذلك مذهب، ولذوات الكروش من الظّلف والخفّ في ذلك مذهب، ولذوات الأنياب في ذلك مذهب، وللسّمك والتمساح الذي يشبه السّمك في ذلك مذهب.

ويزعمون أن جوف التمساح إن هو إلّا معاليق فيه، وأنه في صورة الجراب، مفتوح الفم، مسدود الدّبر، ولم أحقّ ذلك، وما أكثر من لا يعرف الحال فيه.

٦٤٣-[القوة التناسلية لدى الحمام]

ثم رجع بنا القول في الحمام بعد أن استغنى ولده عنه، وبعد أن نزعت الرحمة منه، وذلك أنّه يبتدئ الذّكر الدّعاء والطرد، وتبتدئ الأنثى بالتأتّي والاستدعاء، ثمّ تزيف وتتشكّل، ثمّ تمكّن وتمنع، وتجيب وتصدف بوجهها، ثم يتعاشقان ويتطاوعان، ويحدث لهما من التغزّل والتفتّل ومن السّوف والقبل، ومن المصّ والرّشف، ومن التنفّخ والتنفّج، ومن الخيلاء والكبرياء، ومن إعطاء التقبيل حقه، ومن إدخال الفم في الفم، وذلك من التطاعم، وهي المطاعمة. وقال الشاعر [٣] : [من البسيط]

لم أعطها بيدي إذ بتّ أرشفها ... إلّا تطاول غصن الجيد بالجيد

كما تطاعم في خضراء ناعمة ... مطوّقان أصاخا بعد تغريد

هذا مع إرسالها جناحيها وكفّيها على الأرض، ومع تدرعها وتبعّلها ومع تصاوله وتطاوله، ومع تنفّجه وتنفّخه، مع ما يعتريه مع الحكة والتفلّي والتنفّش حتّى تراه وقد رمى فيه بمثله.

ثمّ الذي ترى من كسحه بذنبه، وارتفاعه بصدره، ومن ضربه بجناحه، ومن


[١] الزمج: طائر دون العقاب حمرته غالبة، يصيد به الملوك الطير. حياة الحيوان ١/٥٣٨.
[٢] البال: حوت عظيم، جناحه كالشراع الظيم. وأهل المراكب يخافون منها أعظم خوف. حياة الحيوان ١/١٥٩.
[٣] البيتان بلا نسبة في اللسان والتاج (طعم) ، والثاني في أساس البلاغة (طعم) ، والتهذيب ٢/١٩٢، وتقدم البيتان في الفقرة (٥٦٦) ، مع بيت ثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>