للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرحه ومرحه بعد قمطه والفراغ من شهوته، ثمّ يعتريه ذلك في الوقت الذي يفتر فيه أنكح النّاس.

وتلك الخصلة يفوق بها جميع الحيوان، لأنّ الإنسان الذي هو أكثر الخلق في قوّة الشهوة، وفي دوامها في جميع السّنة، وأرغب الحيوان في التصنّع والتغزل، والتشكّل [١] والتفتّل أفتر ما يكون إذا فرغ، وعندها يركبه الفتور، ويحبّ فراق الزّوج، إلى أن يعود إلى نشاطه، وترجع إليه قوّته.

والحمام أنشط ما يكون وأفرح، وأقوى ما يكون وأمرح، مع الزّهو والشكل، واللهو والجذل، أبرد ما يكون الإنسان وأفتره، وأقطع ما يكون وأقصره.

هذا، وفي الإنسان ضروب من القوى: أحدها فضل الشّهوة، والأخرى دوام الشهوة في جميع الدّهر، والأخرى قوة التصنّع والتكلف، وأنت إذا جمعت خصاله كلها كانت دون قوّة الحمام عند فراغه من حاجته وهذه فضيلة لا ينكرها أحد، ومزيّة لا يجحدها أحد!!

٦٤٤-[الشبق المفرط في البغال]

ويقال: إنّ النّاس لم يجدوا مثل نشاط الحمام في وقت فترة الإنسان إلّا ما وجدوه في البغال؛ فإنّ البغال تحمل أثقالا عشيّة، فتسير بقيّة يومها وسواد ليلتها، وصدر نهار غدها، حتّى إذا حطّوا عن جميع ما كان محمّلا من أصناف الدواب أحمالها، لم يكن لشيء منها همّة، ولا لمن ركبها من النّاس إلّا المراغة [٢] والماء والعلف، وللإنسان الاستلقاء ورفع الرّجلين والغمز والتأوّه، إلّا البغال فإنها في وقت إعياء جميع الدواب وشدّة كلالها، وشغلها بأنفسها ممّا مرّ عليها، ليس عليها عمل إلّا أن تدلي أيورها وتشظّ [٣] وتضرب بها بطونها؛ وتحطها وترفعها. وفي ذلك الوقت لو رأى المكاري امرأة حسناء لما انتشر لها ولا همّ بها. ولو كان منعظا ثم اعتراه بعض ذلك الإعياء لنسي الإنعاظ [٤] .

وهذه خصلة تخالف فيها البغال جميع الحيوان، وتزعم العملة [٥] أنّها تلتمس


[١] الشكل: الغنج والدلاب «القاموس: شكل» .
[٢] تمرغ في التراب: تقلّب فيه، والاسم منه المراغة «القاموس: مرغ» .
[٣] تشظ: تنعظ «القاموس: شظ» .
[٤] انظر مثل هذا الخبر في رسائل الجاحظ ٢/٣٢٤.
[٥] العملة: العمال.

<<  <  ج: ص:  >  >>