للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحرّك الرّجل اليمنى- وهو أقرب إليها وأشبه بها- حتّى يحرّك اليد اليسرى. وهذا كثير.

وفي طريق أخرى فقد يقال: إنّ كلّ إنسان فإنما ركبته في رجله، وجميع ذوات الأربع فإنّما ركبها في أيديها. وكلّ شيء ذي كفّ وبنان كالإنسان، والقرد، والأسد، والضّبّ، والدّب، فكفّه في يده. والطّائر كفّه في رجله.

٧٠٣-[غرائب تصرفات بعض الناس]

١-[استعمال الإنسان رجليه ما كان يعمله بيديه]

وما رأيت أحدا ليس له يد إلّا وهو يعمل برجليه ما كان يعمل بيديه، وما أقف على شيء من عمل الأيدي إلّا وأنا قد رأيت قوما يتكلّفونه بأرجلهم.

ولقد رأيت واحدا منهم راهن على أن يفرغ برجليه ما في دستيجة [١] نبيذ في قنانيّ رطليّات وفقّاعيّات فراهنوه، وأزعجني أمر فتركته عند ثقات لا أشك في خبرهم، فزعموا أنّه وفى وزاد. قلت: قد عرفت قولكم «وفى» فما معنى قولكم «زاد» قالوا: هو أنّه لو صبّ من رأس الدّستيجة حوالي أفواه القنانيّ كما يعجز عن ضبطه جميع أصحاب الكمال في الجوارح، لما أنكرنا ذلك. ولقد فرّغ ما فيها في جميع القناني فما ضيّع أوقيّة واحدة.

٢-[قيام بعض الناس بعمل دقيق في الظلام]

وخبّرني الحزاميّ عن خليل أخيه، أنّه متى شاء أن يدخل في بيت ليلا بلا مصباح، ويفرغ قربة في قنانيّ فلا يصبّ إستارا [٢] واحدا فعله.

ولو حكى لي الحزاميّ هذا الصّنيع عن رجل ولد أعمى أو عمي في صباه، كان يعجبني منه أقلّ. فأمّا من تعوّد أن يفعل مثل ذلك وهو يبصر فما أشدّ عليه أن يفعله وهو مغمض العينين. فإن كان أخوه قد كان يقدر على ذلك إذا غمّض عينيه فهو عندي عجب، وإن كان يبصر في الظلمة فهو قد أشبه في هذا الوجه السّنّور والفأر، فإنّ هذا عندي عجب آخر وغرائب الدّنيا كثيرة عند كلّ من كان كلفا بتعرافها، وكان له في العلم أصل، وكان بينه وبين التبيّن نسب.


[١] الدستيج: آنية تحول باليد، معرب دستي. «القاموس: دستج» .
[٢] الإستار: من الأوزان يساوي أربعة مثاقيل ونصف «القاموس: ستر» .

<<  <  ج: ص:  >  >>