للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣-[إنكار الناس للغرائب]

وأكثر الناس لا تجدهم إلّا في حالتين: إمّا في حال إعراض عن التبيّن وإهمال للنّفس، وإمّا في حال تكذيب وإنكار وتسرّع إلى أصحاب الاعتبار وتتبّع الغرائب، والرغبة في الفوائد. ثمّ يرى بعضهم أنّ له بذلك التكذيب فضيلة، وأنّ ذلك باب من التوقّي، وجنس من استعظام الكذب، وأنّه لم يكن كذلك إلّا من حاقّ الرّغبة في الصّدق. وبئس الشيء عادة الإقرار والقبول. والحقّ الذي أمر الله تعالى به ورغب فيه، وحثّ عليه أن ننكر من الخبر ضربين: أحدهما ما تناقض واستحال، والآخر ما امتنع في الطبيعة، وخرج من طاقة الخلقة. فإذا خرج الخبر من هذين البابين، وجرى عليه حكم الجواز، فالتدبير في ذلك التثبت وأن يكون الحقّ في ذلك هو ضالّتك، والصّدق هو بغيتك، كائنا ما كان، وقع منك بالموافقة أم وقع منك بالمكروه. ومتى لم تعلم أنّ ثواب الحقّ وثمرة الصّدق أجدى عليك من تلك الموافقة لم تقع على أن تعطي التثبت حقّه.

٧٠٤-[تشبيه رماد الأثافي بالحمام]

قال: وهم يصفون الرّماد الذي بين الأثافيّ بالحمامة، ويجعلون الأثافيّ أظآرا لها، للانحناء الذي في أعالي تلك الأحجار، ولأنّها كانت معطّفات عليها وحانيات على أولادها. قال ذو الرّمّة [١] : [من الطويل]

كأنّ الحمام الورق في الدّار جثّمت ... على خرق بين الأثافي جوازله

شبّه الرّماد بالفراخ قبل أن تنهض والجثوم في الطير مثل الرّبوض في الغنم. وقال الشماخ [٢] : [من الطويل]

وإرث رماد كالحمامة ماثل ... ونؤيين في مظلومتين كداهما

وقال أبو حيّة [٣] : [من الوافر]

من العرصات غير مخدّ نؤي ... كباقي الوحي خطّ على إمام [٤]


[١] ديوان ذي الرمة ١٢٤٤، وفيه: (شبّه الأثافي بحمام ورق تضرب إلى السواد. وقوله «جثمت على خرق» يريد به الرماد. فشبه الأثافي على الرماد بحمام على الفراخ. والجوزل: الفرخ) .
[٢] ديوان الشماخ ٣٠٩.
[٣] ديوان أبي حية النميري ٩١.
[٤] في ديوانه: (المخد: موضع الخد وهو الشق. الوحي: الكتابة. الإمام: الكتاب) .

<<  <  ج: ص:  >  >>