للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب الحمام طائر لئيم]

(باب)

٧١٦-[لؤم الحمام]

وقال صاحب الدّيك: الحمام طائر لئيم قاسي القلب، وإن برّ بزعمكم ولد غيره، وصنع به كما يصنع بفرخه؛ وذلك أنهما يحضنان كلّ بيض، ويزقّان كلّ فرخ، وما ذاك منهما إلّا في الفرط.

فأمّا لؤمه فمن طريق الغيرة، فإنّه يرى بعينه الذّكر الذي هو أضعف منه، وهو يطرد أنثاه ويكسح بذنبه حولها، ويتطوّس [١] لها ويستميلها، وهو يرى ذلك بعينه- ثمّ لم نرقط ذكرا واثب ذكرا عند مثل ذلك.

فإذا قلت: إنّه يشتدّ عليه ويمنعه إذا جثمت له وأراد أن يعلوها؛ فكلّ ذكر وأنثى هنالك يفعل ذلك، وليس ذلك من الذكر الغريب من طريق الغيرة، ولكنّه ضرب من البخل ومن النّفاسة. وإذا لم يكن من ذكرها إلّا مثل ما يكون من جميع الحمام علم أنّ ذلك منه ليس من طريق الغيرة. وأنا رأيت النواهض تفعل ذلك، وتقطع على الذّكر بعد أن يعلو على الأنثى.

قال: وأمّا ما ذكرتم من أن الحمام معطوف على فراخه ما دامت محتاجة إلى الزّقّ، فإذا استغنت نزعت منها الرحمة، فليس ذلك كما قلتم. الحمام طائر ليس له عهد؛ وذلك أنّ الذّكر ربما كانت معه الأنثى السّنين، ثمّ تنقل عنه وتوارى عنه شهرا واحدا، ثم تظهر له مع زوج أضعف منه، فيراها طول دهره وهي إلى جنب بيته وتماريده [٢] فكأنه لا يعرفها بعد معرفتها الدّهر الطويل، وإنما غابت عنه الأيّام اليسيرة. فليس يوجّه ذلك الجهل الذي يعامل به فراخه بعد أن كبرت، إلّا على الغباوة وسوء الذّكر، وأنّ الفرخ حين استوى ريشه وأشبه غيره من الحمام جهل الفصل الذي بينهما.

فإن كان يعرف أنثاه وهو يجدها مع ذكر ضعيف وهو مسلّم لذلك وقانع به، وقليل الاكتراث به، فهو من لؤم في أصل الطبيعة.


[١] تطوّس: أبدى محاسنه وجماله. انظر القاموس «طوس» .
[٢] التّمراد: بيت صغير في بيت الحمام لمبيضه.

<<  <  ج: ص:  >  >>