للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد انتخبهم، حتى إذا كان على ليلة أو بعض ليلة، أخذ بمجامع الطّرق، ثم بيّتهم [١] ووثب أصحابه من داخل المدينة وهو وجنده من خارج، ففتحوا الأعراب وقتلوا الملك. وأصبح قد غلب على تلك المدينة، وعلى تلك المملكة، فعظم شأنه، وأعظمته الملوك، وذكر فيهم بالحزم والكيد.

وإنما كان سبب ذلك كلّه الحمام!.

٧٤٤-[حديث آخر في نفع الحمام]

قال: وأحدّثك عن الحمام أيضا بحديث آخر في أمر النساء والرّجال وما يصاب من اللّذّة فيهنّ، والصّواب في معاملتهنّ. قال: وذلك أنّ رجلا أتاني مرّة فشكا إليّ حاله في فتاة علّقها فتزوّجها، وكات جارية غرّا حسناء، وكانت بكرا ذات عقل وحياء، وكانت غريرة فيما يحسن النّساء من استمالة أهواء الرّجال، ومن أخذها بنصيبها من لذّة النساء فلما دخل بها امتنعت عليه، ودافعته عن نفسها، فزاولها بكلّ ضرب كان يحسنه من لطف، وأدخل عليها من نسائه ونسائها من ظنّ أنّها تقبل منهنّ، فأعيتهن، حتى همّ برفضها مع شدّة وجده بها، فأتاني فشكا ذلك إليّ مرة، فأمرته أن يفردها ويخلّيها من الناس، فلا يصل إليها أحد، وأن يضعف لها الكرامة في اللّطف والإقامة لما يصلحها من مطعم ومشرب وملبس وطيب وغير ذلك، مما تلهو به امرأة وتعجب به، وأن يجعل خادمها أعجميّة لا تفهم عنها، وهي في ذلك عاقلة، ولا تفهمها إلّا بالإيماء؛ حتى تستوحش إليها وإلى كل من يصل إليها من النّساء وحتى تشتهي أن تجد من يراجعها الكلام وتشكو إليه وحشة الوحدة، وأن يدخل عليها أزواجا من الحمام، ذوات صورة حسنة، وتخيّل وهدير فيصيّرهنّ في بيت نظيف، ويجعل لهنّ في البيت تماريد [٢] وبين يدي البيت حجرة نظيفة، ويفتح لها من بيتها بابا فيصرن نصب عينها فتلهو بهن وتنظر إليهنّ، ويجعل دخوله عليها في اليوم دفعة إلى تلك الحمام. والتسلّي بهنّ، والاستدعاء لهنّ إلى الهدير ساعة، ثم يخرج، فإنّها لا تلبث أن تتفكّر في صنيعهنّ إذا رأت حالهن؛ فإنّ الطّبيعة لا تلبث حتى تحرّكها، ويكون أوفق المقاعد لها الدنّو منهن، وأغلب الملاهي عليها النّظر إليهن؛ لأنّ الحواس لا تؤدي إلى النّفس شيئا من قبل السمع، والبصر، والذوق، والشم والمجسّة إلّا تحرّك من العقل في قبول ذلك أو ردّه، والاحتيال في إصابته أو دفعه،


[١] بيتهم: أوقع بهم ليلا «القاموس: بيت» .
[٢] التماريد: جمع تمراد، وهو بيت صغير في بيت الحمام لمبيضه. «القاموس: مرد» .

<<  <  ج: ص:  >  >>