للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنكرت كثرة الذّبّان. فلما كان الغد جاء منه ما لم أقدر معه على الأكل والشرب.

وذهبت القائلة وذهب الحديث، وشغلت بالذّبّ. على أنهنّ لم يكنّ يبرحن بالذّبّ، وكنّ أكثر من أن أكون أقوى عليهنّ؛ لأنّي كنت لا أطرد مائة حتى يخلفها مائة مكانها. وهنّ في أول ما يخرجن من الباقلاء كأنّ بهنّ زمانة [١] فلما كان طيرانهنّ أسوأ كان أسوأ لحالي، فقلت للملاح: ويلك! أيّ شيء معك حتى صار الذبان يتبعك! قد والله أكلت وشربت! قال: أو ليس تعرف القصّة؟ قلت: لا والله! قال:

هي والله من هذه الباقلاء، ولولا هذه البليّة لجاءنا من الرّكاب كما يجيئون إلى جميع أصحاب الحمولات. وما ظننته إلّا ممن قد اغتفر هذا للين الكراء، وحبّ التفرّد بالسفينة. فسألته أن يقربني إلى بعض الفرض [٢] ، حتى أكتري من هناك إلى حيث أريد، فقال لي: أتحبّ أن أزوّدك منه؟ قلت: ما أحبّ أن ألتقي أنا والباقلاء في طريق أبدا!.

٨٠٥-[من كره الباقلاء]

ولذلك كان أبو شمر لا يأكل الباقلاء، وكان أخذ ذلك عن معلّمه معمّر أبي الأشعث. وكذلك كان عبد الله بن مسلمة بن محارب والوكيعيّ ومعمّر، وأبو الحسن المدائني، برهة من دهرهم.

وكان يقول: لولا أنّ الباقلاء عفن فاسد الطّبع، رديء يخثّر الدّم ويغلّظه ويورث السّوداء وكلّ بلاء- لما ولّد الذّبان. والذّبان أقذر ما طار ومشى! وكان يقول: كلّ شيء ينبت منكوسا فهو رديء للذّهن، كالباقلاء والباذنجان.

وكان يزعم أنّ رجلا هرب من غرمائه فدخل في غابة باقلاء، فتستّر عنهم بها، فأراد بعضهم إخراجه والدخول فيها لطلبه، فقال: أحكمهم وأعلمهم كفاكم له بموضعه شرّا! وكان يقول: سمعت ناسا من أهل التجربة يحلفون بالله: إنّه ما أقام أحد أربعين يوما في منبت باقلاء وخرج منه إلّا وقد أسقمه سقما لا يزايل جسمه.

وزعم أنّ الذي منع أصحاب الأدهان والتربية بالسمسم من أن يربّوا السّماسم [٣]


[١] الزمانة: العاهة «القاموس: زمن» .
[٢] الفرض: جمع فرضة، وهي محطّ السفن من البحر «القاموس: فرض» ..
[٣] السّماسم: طائر «القاموس: سمم» . وفي حياة الحيوان ١/٥٦٦: (السّمائم: جمع سمامة، وهو ضرب من الطير كالخطاف، وقيل هو السنونو، وهو الطير الأبابيل الذي أرسله الله تعالى على أصحاب الفيل) .

<<  <  ج: ص:  >  >>