للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأشباه العوامّ أن يكون شيء من الخلق كان من غير ذكر وأنثى. وهذا جهل بشأن العالم، وبأقسام الحيوان. وهم يظنّون أنّ على الدّين من الإقرار بهذا القول مضرّة.

وليس الأمر كما قالوا. وكلّ قول يكذّبه العيان فهو أفحش خطأ، وأسخف مذهبا، وأدلّ على معاندة شديدة أو غفلة مفرطة.

وإن ذهب الذّاهب إلى أن يقيس ذلك على مجاز ظاهر الرّأي، دون القطع على غيب حقائق العلل، فأجراه في كلّ شيء- قال قولا يدفعه العيان أيضا، مع إنكار الدّين له.

وقد علمنا أنّ الإنسان يأكل الطّعام ويشرب الشّراب، وليس فيهما حيّة ولا دودة، فيخلق منها في جوفه ألوان من الحيّات، وأشكال من الدّيدان من غير ذكر ولا أنثى. ولكن لابدّ لذلك الولاد واللّقاح من أن يكون عن تناكح طباع، وملاقاة أشياء تشبه بطباعها الأرحام وأشياء تشبه في طبائعها ملقّحات الأرحام.

٨٠٨-[استطراد لغوي بشواهد من الشعر]

وقد قال الشاعر: [من الكامل]

فاستنكح اللّيل البهيم فألقحت ... عن هيجه واستنتجت أحلاما

وقال الآخر: [من مجزوء الكامل]

وإذا الأمور تناكحت ... فالجود أكرمها نتاجا

وقال ذو الرّمّة: [من الطويل]

وإنّي لمدلاج إذا ما تناكحت ... مع اللّيل أحلام الهدان المثقّل [١]

وقال عليّ بن معاذ: [من السريع]

للبدر طفل في حضان الهوا ... مستزلق من رحم الشّمس [٢]

وقال دكين الرّاجز [٣] ، أو أبو محمد الفقعسيّ: [من الرجز]

وقد تعللت ذميل العنس ... بالسّوط في ديمومة كالتّرس

إذا عرّج اللّيل بروج الشّمس


[١] الهدان: الأحمق الثقيل «القاموس: هدن» .
[٢] أزلقت الفرس: ألقت ولدها تاما «القاموس: زلق» .
[٣] تقدم الرجز في الفقرة (٥٧٧) صفحة ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>