للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون وهو لا يكون، ثم يقول إلّا أنّ ذلك صدق لقاله. إلّا أنّه يخاف السّيف عند هذه، ولا يخاف السّيف عند تلك. وإن كانت تلك أعظم في الفرية من هذه.

وبعض يزعم أنّ الله عزّ وجلّ إنّما عذّب أطفال المشركين ليغمّ بهم آباءهم. ثمّ قال المتعاقلون منهم: بل عذّبهم لأنّه هكذا شاء، ولأنّ هذا له. فليت شعري أيحتسب بهذا القول في باب التمجيد لله تعالى؛ لأنّ كل من فعل ما يقدر عليه فهو محمود، وكل من لم يخف سوط أمير فأتى قبيحا فالذي يحسن ذلك القبيح أنّ صاحبه كان في موضع أمن، أو لأنّه آمن يمتنع من مطالبة السلطان. فكيف وكون الكذب والظّلم والعبث واللهو والبخل كلّه محال ممّن لا يحتاج إليه، ولا تدعوه إليه الدواعي.

وزعم أبو إسحاق أنّ الطّاعات إذا استوت استوى أهلها في الثّواب، وأنّ المعاصي إذا استوت استوى أهلها في العقاب. وإذا لم يكن منهم طاعة ولا معصية استووا في التفضّل.

وزعم أنّ أجناس الحيوان وكلّ شيء يحسّ ويألم، في التفضّل سواء وزعم أنّ أطفال المشركين والمسلمين كلّهم في الجنّة. وزعم أنّه ليس بين الأطفال ولا بين البهائم والمجانين فرق، ولا بين السّباع في ذلك وبين البهائم فرق.

وكان يقول: إنّ هذه الأبدان السبعيّة والبهيمية لا تدخل الجنّة، ولكنّ الله عزّ وجلّ ينقل تلك الأرواح خالصة من تلك الآفات؛ فيركّبها في أيّ الصّور أحبّ.

وكان أبو كلدة، ومعمر، وأبو الهذيل وصحصح، يكرهون هذا الجواب.

ويقولون: سواء عند خواصّنا وعوامّنا، أقلنا: إنّ أرواح كلابنا تصير إلى الجنّة، أم قلنا:

إن كلابنا تدخل الجنّة ومتى ما اتّصل كلامنا بذكر الكلب على أيّ وجه كان؛ فكأنّا عندهم قد زعمنا أنّ الجنّة فيها كلاب. ولكنّا نزعم [١] أنّ جميع ما خلق الله تعالى من السّباع والبهائم والحشرات والهمج فهو قبيح المنظرة مؤلم، أو حسن المنظرة ملذّ؛ فما كان كالخيل والظباء، والطواويس، والتّدارج فإنّ تلك في الجنّة، ويلذّ أولياء الله عزّ وجلّ بمناظرها. وما كان منها قبيحا في الدّنيا مؤلم النظر جعله الله عذابا إلى عذاب أعدائه في النّار فإذا جاء في الأثر: أنّ الذّباب في النّار، وغير ذلك من الخلق، فإنّما يراد به هذا المعنى.

وذهب بعضهم إلى أنها تكون في النّار، وتلذّ ذلك، كما أن خزنة جهنّم والذين يتولّون من الملائكة التّعذيب، يلذّون موضعهم من النار.


[١] هذا القول نقله الثعالبي في ثمار القلوب (٨٣٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>