للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذباب. فمن العجب أن يكون بعض الحيوان لا ينام كالصافر والتنوّط؛ فإنّهما إذا كان اللّيل فإن أحدهما يتدلّى من غصن الشّجرة، ويضمّ عليه رجليه، وينكّس رأسه، ثمّ لا يزال يصيح حتّى يبرق النور. والآخر لا يزال يتنقّل في زوايا بيته، ولا يأخذه القرار، خوفا على نفسه، فلا يزال كذلك، وقد نتف قبل ذلك ممّا على ظهور الأشجار مما يشبه الليف فنفشه، ثمّ فتل منه حبلا، ثمّ عمل منه كهيئة القفّة، ثمّ جعله مدلّى بذلك الحبل، وعقده بطرف غصن من تلك الأغصان؛ إلّا أنّ ذلك بترصيع ونسج، ومداخلة عجيبة؛ ثمّ يتّخذ عشّه فيه، ويأوي إليه مخافة على نفسه.

والأعراب يزعمون أنّ الذّئب شديد الاحتراس، وأنّه يرواح بين عينيه، فتكون واحدة مطبقة نائمة وتكون الأخرى مفتوحة حارسة ولا يشكّون أنّ الأرنب تنام مفتوحة العينين.

وأمّا الدّجاج والكلاب فإنما تعزب [١] عقولهما في النّوم، ثمّ ترجع إليهما بمقدار رجوع الأنفاس. فأمّا الدّجاج فإنها تفعل ذلك من الجبن وأمّا الكلب فإنّه يفعل ذلك من شدّة الاحتراس.

وجاؤوا كلهم يخبرون أن الغرانيق والكراكيّ لا تنام أبدا إلّا في أبعد المواضع من النّاس، وأحرزها من صغار سباع الأرض، كالثعلب وابن آوى. وأنها لا تنام حتى تقلّد أمرها رئيسا وقائدا، وحافظا وحارسا، وأن الرئيس إذا أعيا رفع إحدى رجليه، ليكون أيقظ له.

٨٣٤-[سلطان النوم]

وسلطان النّوم معروف. وإن الرّجل ممن يغزو في البحر، ليعتصم بالشّراع وبالعود وبغير ذلك، وهو يعلم أن النّوم متى خالط عينيه استرخت يده، ومتى استرخت يده باينه الشيء الذي كان يركبه ويستعصم به، وأنه متى باينه [٢] لم يقدر عليه، ومتى عجز عن اللّحاق به فقد عطب. ثمّ هو في ذلك لا يخلو، إذا سهر ليلة أو ليلتين، من أن يغلبه النّوم ويقهره، وإمّا أن يحتاج إليه الحاجة التي يريه الرأي الخوّان، وفساد العقل المغمور بالعلّة الحادثة، أنّه قد يمكن أن يغفي وينتبه في أسرع الأوقات، وقبل أن تسترخي يده كلّ الاسترخاء، وقبل أن تباينه الخشبة إن كانت خشبة.


[١] عزب: بعد وغاب. «القاموس: عزب» .
[٢] باين: فارق. «القاموس: بين» .

<<  <  ج: ص:  >  >>