للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لون الجمل الأورق. فإذا كانت في رأس الخضيب بالحمرة تراها حمراء. فإن نصل خضابه صار فيها شكلة، من بين بيض وحمر.

وقد نرى حرّة بني سليم، وما اشتملت عليه من إنسان، وسبع، وبهيمة، وطائر، وحشرة فتراها كلّها سوداء [١] .

وقد خبّرنا من لا يحصى من النّاس أنّهم قد أدركوا رجالا من نبط بيسان [٢] ، ولهم أذناب إلّا تكن أذناب التماسيح والأسد والبقر والخيل؛ وإلّا كأذناب السّلاحف والجرذان، فقد كان لهم عجوب [٣] طوال كالأذناب.

وربّما رأينا الملّاح النّبطيّ في بعض الجعفريّات على وجهه شبه القرد. وربّما رأينا الرّجل من المغرب فلا نجد بينه وبين المسخ، إلّا القليل.

وقد يجوز أن يصادف ذلك الهواء الفاسد، والماء الخبيث، والتربة الرديّة، ناسا في صفة هؤلاء المغربيّين والأنباط، ويكونون جهّالا، فلا يرتحلون؛ ضنانة بمساكنهم وأوطانهم، ولا ينتقلون. فإذا طال ذلك عليهم زاد في تلك الشعور، وفي تلك الأذناب، وفي تلك الألوان الشّقر، وفي تلك الصّور المناسبة للقرود.

قالوا: ولم نعرف، ولم يثبت عندنا بالخبر الذي لا يعارض، أنّ الموضع الذي قلب صور قوم إلى صور الخنازير، هو الموضع الذي نقل صور قوم إلى صور القرود.

وقد يجوز أن تكون هذه الصّور انقلبت في مهبّ الريح الشمالي، والأخرى في مهبّ الجنوب. ويجوز أن يكون ذلك كان في دهر واحد؛ ويجوز أن يكون بينهما دهر ودهور.

قالوا: فلسنا ننكر المسخ إن كان على هذا الترتيب؛ لأنّه إن كان على مجرى الطّبائع، وما تدور به الأدوار، فليس ذلك بناقض لقولنا، ولا مثبت لقولكم.

قال أبو إسحاق: الذي قلتم ليس بمحال، ولا ينكر أن يحدث في العالم برهانات، وذلك المسخ كان على مجرى ما أعطوا من سائر الأعاجيب، والدّلائل والآيات. ونحن إنّما عرفنا ذلك من قبلهم. ولولا ذلك لكان الذي قلتم غير ممتنع.

ولو كان ذلك المسخ في هذا الموضع على ما ذكرتم، ثمّ خبر بذلك نبيّ، أو دعا به نبيّ، لكان ذلك أعظم الحجّة.


[١] رسائل الجاحظ ٢/٣١٣، وانظر الرسائل ١/٢١٩- ٢٢٠. وربيع الأبرار ٥/٤٨١.
[٢] بيسان: مدينة بالأردن بالغور الشامي، وهي بين حوران وفلسطين. معجم البلدان ١/٥٢٧.
[٣] العجوب: جمع عجب، وهو أصل الذنب. (القاموس: عجب) .

<<  <  ج: ص:  >  >>