للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وببعض أسقاط الشاة وحشو البطن. والرأس لحم، والسّمك أيضا لحم. وقال الله تعالى: هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها

[١] . فإن كان الرّسول ذهب إلى المستعمل من ذلك، وترك بعض ما يقع عليه اسم لحم، فقد أخذ بما عليه صاحبه. فإذا قال حرّمت عليكم لحما، فكأنّه قال: لحم الشّاة والبقرة والجزور. ولو أنّ رجلا قال: أكلت لحما- وإنما أكل رأسا أو كبدا أو سمكا- لم يكن كاذبا. وللنّاس أن يضعوا كلامهم حيث أحبّوا، إذا كان لهم مجاز؛ إلّا في المعاملات.

فإن قلت: فما تقول في الجلد؟ فليس للخنزير جلد، كما أنّه ليس للإنسان جلد إلّا بقطع ما ظهر لك منه بما تحته، وإنّما الجلد ما يسلخ ويدحس [٢] فيتبرأ ممّا كان به ملتزقا ولم يكن ملتحما، كفرق ما بين جلد الحوصلة والعرقين.

فإن سألت عن الشّعر، وعن جلد المنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع، فإنّي أزعم أنّ جلده لا يدبغ ولا ينتفع به إلّا الأساكفة، والقول في ذلك أنّ كلّه محرّم. وإنما ذلك كقوله تعالى: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ

[٣] وكقوله عزّ وجلّ: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ

[٤] .

والعرب تقول للرّجل الصانع نجّارا، إن كان لا يعمل بالمثقب والمنشار ونحوه ولا يضرب بالمضلع ونحو ذلك، وتسميّه خبّازا إذا كان يطبخ ويعجن. وتسمّي العير لطيمة، وإن لم يكن فيها ما يحمل العطر إلّا واحد. وتقول: هذه ظعن فلان؛ للهوادج إذا كانت فيها امرأة واحدة. ويقال: هولاء بنو فلان؛ وإن كانت نساؤهم أكثر من الرجال.

فلما كان اللحم هو العمود الذي إليه يقصد، وصار في أعظم الأجزاء قدرا، دخل سائر تلك الأجزاء في اسمه. ولو كان الشّحم معتزلا من اللّحم ومفردا في جميع الشّحام، كشحوم الكلى والثّروب، لم يجز ذلك. وإذا تكلمت على المفردات لم يكن المخّ لحما، لا الدّماغ، ولا العظم، ولا الشّحم، ولا الغضروف، ولا الكروش، ولا ما أشبه ذلك. فلما قال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ

[٥] وكانت


[١] ١٤/النحل: ١٦.
[٢] دحس الرجل الشاة: أدخل يده بين جلدها وصفاقها للسلخ.
[٣] ١٦/الأنفال: ٨.
[٤] ٢٣/الكهف: ١٨.
[٥] ٣/المائدة: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>