للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي إطباق جميع الأمم على شهوة أكله واستطابة لحمه، دليل على أنّ له في ذلك ما ليس لغيره.

١٠٠٧-[زعم المجوس في المنخنقة والموقوذة والمتردية]

والمجوس تزعم أنّ المنخنقة والموقوذة والمتردّية، وكلّ ما اعتبط [١] ولم يمت حتف أنفه، فهو أطيب لحما وأحلى؛ لأنّ دمه فيه، والدم حلو دسم. وإنما عافه من عافه من طريق العادة والدّيانة، لا من طريق الاستقذار والزّهد الذي يكون في أصل الطبيعة.

١٠٠٨-[اختلاف ميل الناس إلى الطعام]

وقد عاف قوم الجرّيّ والضّباب [٢] على مثل ذلك، وشغف به آخرون.

وقد كانت العرب في الجاهليّة تأكل دم الفصد، وتفضّل طعمه، وتخبر عمّا يورث من القوّة.

قال: وأيّ شيء أحسن من الدّم، وهل اللّحم إلا دم استحال كما يستحيل اللّحم شحما؟ ولكنّ الناس إذا ذكروا معناه، ومن أين يخرج وكيف يخرج، كان ذلك كاسرا لهم، ومانعا من شهوته.

١٠٠٩-[ما يغير نظر الإنسان إلى الأشياء]

وكيف حال النّار في حسنها، فإنّه ليس في الأرض جسم لم يصبغ أحسن منه.

ولولا معرفتهم بقتلها وإحراقها وإتلافها، والألم والحرقة المولدين عنها، لتضاعف ذلك الحسن عندهم. وإنّهم ليرونها في الشّتاء بغير العيون التي يرونها بها في الصّيف. ليس ذلك إلّا بقدر ما حدث من الاستغناء عنها.

وكذلك جلاء السّيف؛ فإنّ الإنسان يستحسن قدّ السّيف وخرطه، وطبعه وبريقه. وإذا ذكر صنيعه والذي هيئ له، بدا له في أكثر ذلك، وتبدّل في عينه، وشغله ذلك عن تأمّل محاسنه.

ولولا علم النّاس بعداوة الحيّات لهم، وأنهها وحشيّة لا تأنس ولا تقبل أدبا، ولا


[١] اعتبط: مات من غير علة. (القاموس: عبط) .
[٢] الجرّي: ضرب من السمك. الضباب: جمع ضب.

<<  <  ج: ص:  >  >>