للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنشد لأبي دؤاد الإياديّ [١] : [من الخفيف]

فأتاني تقحيم كعب لي المن ... طق إن النّكيثة الإقحام [٢]

قال: فالفزع إمّا أن يكون يوصل السمّ إلى المقاتل، وإمّا أن يكون معينا له، كتعاون الرّجلين على نزع وتد. فهم لا يجزمون على أنّ الحيّة من القواتل البتّة، إلّا أن تقتل إذا عضّت النائم والمغشيّ عليه، والطفل الغرير، والمجنون الذي لا يعقل، وحتّى تجرّب عليه الأدوية.

١٠٣١-[الترياق وانقلاب الأفعى]

وكنت يوما عند أبي عبد الله أحمد بن أبي دؤاد، وكان عنده سلمويه وابن ماسويه، وبختيشوع بن جبريل، فقال: هل ينفع التّرياق من نهشة أفعى؟ فقال بعضهم: إذا عضّت الأفعى فأدركت قبل أن تنقلب نفع الترياق، وإن لم تدرك لم ينفع؛ لأنهم إن قلّلوا من التّرياق قتله السّمّ، وإن كثّروا منه قتله الفاضل عن مقدار الحاجة.

قلت: فإنّ ابن أبي العجوز خبّرني بأنها ليست تنقلب لمجّ السمّ وإفراغه، ولكنّ الأفعى في نابها عصل [٣] ، وإذا عضّت استفرغت إدخال النّاب كلّه، وهو أحجن أعصل، فيه مشابه من الشّصّ، فإذا انقلبت كان أسهل لنزعه وسلّه. فأمّا لصبّ السّمّ وإفراغه فلا. قال: والله لعلّه ما قلت! قلت: ما أسرع ما شككت!!.

ثمّ قلت له: فكأنما وضعوا الترياق واجتلبوا الأفاعي وضنّوا وعزموا على أنه لا ينفع إلّا بدرك الأفعى قبل أن تنقلب! وكيف صار التّرياق بعد الانقلاب لا يكون إلّا في إحدى منزلتين: إمّا أن يقتل بكثرته، وإمّا ألّا ينفع بقلّته! فكأنّ الترياق ليس نفعه إلّا في المنزلة الوسطى التي لا تكون فاضلة ولا ناقصة! ولكني أقول لك: كيف يكون نفعه إذا كان الترياق جيّدا قويّا، وعوجل فسقي المقدار الأوسط، قبل أن يبلغ الصّميم، ويغوص في العمق. وعلى هذا وضع، وهم كانوا أحزم وأحذق من أن يتكلّفوا شيئا، ومقداره من النّفع لا يوصل إلى معرفته.


[١] ديوان أبي دؤاد ٣٣٨، والأصمعيات ١٨٦.
[٢] في ديوانه: (تقحيمه: توركه قولا نابيا، وهو إدخال الكلام بعضه في إثر بعض. كعب: قيل إنه ابن مامة بلغه عنه أمر يكرهه. النكيثة: الخطة الصعبة) .
[٣] العصل: الاعوجاج. (القاموس: عصل) .

<<  <  ج: ص:  >  >>