للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرّقاء يوهم النّاس إذا دخل دورهم لاستخراج الحيّات أنّه يعرف أماكنها برائحتها، فلذلك يأخذ قصبة ويشعب رأسها، ثم يطعن بها في سقف البيت والزّوايا، ثمّ يشمها ويقول مرة: فيها حيّات؛ ويقول مرّة: بلى فيها حيّات، على قدر الطمع في القوم، وفي عقولهم.

١٠٩٧-[تأثير الأصوات في المخلوقات]

وأمر الصّوت عجيب، وتصرّفه في الوجوه عجب. فمن ذلك أنّ منه ما يقتل، كصوت الصاعقة. ومنها ما يسرّ النفوس حتى يفرط عليها السّرور؛ فتقلق حتى ترقص، وحتّى ربما رمى الرّجل بنفسه من حالق [١] . وذلك مثل هذه الأغاني المطربة.

ومن ذلك ما يكمد. ومن ذلك ما يزيل العقل حتى يغشى على صاحبه، كنحو هذه الأصوات الشجية، والقراءات الملحّنة. وليس يعتريهم ذلك من قبل المعاني؛ لأنهم في كثير من ذلك لا يفهمون معاني كلامهم. وقد بكى ماسرجويه من قراءة أبي الخوخ، فقيل له: كيف بكيت من كتاب الله ولا تصدّق به؟ قال: إنما أبكاني الشجا! وبالأصوات ينوّمون الصّبيان والأطفال.

والدّوابّ تصرّ [٢] آذانها إذا غنّى المكاري. والإبل تصرّ آذانها إذا حدا في آثارها الحادي، وتزداد نشاطا، وتزيد في مشيها. ويجمع بها الصّيّادون السّمك في حظائرهم التي يتّخذونها له. وذلك أنّهم يضربون بعصيّ معهم، ويعطعطون [٣] ، فتقبل أجناس السّمك شاخصة الأبصار مصغية إلى تلك الأصوات، حتّى تدخل في الحظيرة ويضرب بالطّساس للطّير، وتصاد بها. ويضرب بالطّساس للأسد وقد أقبلت، فتروعها تلك الأصوات.

وقال صاحب المنطق: الأيائل تصاد بالصّفير والغناء. وهي لا تنام مادامت تسمع ذلك من حاذق الصوت. فيشغلونها بذلك ويأتون من خلفها فإن رأوها مسترخية الآذان وثبوا عليها، وإن كانت قائمة الأذنين فليس إليها سبيل.

والصّفير تسقى به الدوابّ الماء، وتنفّر به الطير عن البذور.


[١] الحالق: الجبل المرتفع. (القاموس: حلق) .
[٢] صرت الدابة أذنها: نصبتها للاستماع. (القاموس: صرر) .
[٣] العطعطة: تتابع الأصوات واختلاطها في الحرب وغيرها، وحكاية صوت المجان (القاموس: عطط) .

<<  <  ج: ص:  >  >>