للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دوابّ كثيرة تمشي على ثمان قوائم، وعلى ستّ، وعلى أكثر من ثمان. ومن تفقّد قوائم السّرطان وبنات وردان، وأصناف العناكب- عرف ذلك.

قلنا: قد أخطأتم في جميع هذا التّأويل وحدّه. فما الدّليل على أنّه وضع كلامه في استقصاء أصناف القوائم؟ وبأيّ حجة جزمتم على ذلك؟ وقد قال الله عزّ وجلّ:

وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ*

[١] وترك ذكر الشّياطين والنّار لهم آكل، وعذابهم بها أشدّ. فترك ذكرهم من غير نسيان، وعلى أنّ ذلك معلوم عند المخاطب. وقد قال الله عزّ وجلّ: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً

[٢] أخرج من هذا العموم عيسى ابن مريم، وقد قصد في مخرج هذا الكلام إلى جميع ولد آدم. وقال:

هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً

[٣] أدخل فيها آدم وحوّاء. ثمّ قال على صلة الكلام: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ

[٤] أخرج منها آدم وحوّاء وعيسى ابن مريم.

وحسن ذلك إذ كان الكلام لم يوضع على جميع ما تعرفه النّفوس من جهة استقصاء اللّفظ. فقوله: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ

[٥] كان على هذا المثال الذي ذكرنا. وعلى أنّ كلّ شيء يمشي على أربع فهو مما يمشي على رجلين، والذي يمشي على ثمان هو مما يمشي على أربع، وعلى رجلين وإذا قلت: لي على فلان عشرة آلاف درهم، فقد خبّرت أنّ لك عليه ما بين درهم إلى عشرة آلاف.

وأمّا قولكم: إنّ المشي لا يكون إلّا بالأرجل، فينبغي أيضا أن تقولوا فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى

[٦] : إنّ ذلك خطأ؛ لأنّ السّعي لا يكون إلّا بالأرجل.

وفي هذا الذي جهلتموه ضروب من الجواب:

- أمّا وجه منه: فهو قول القائل وقول الشّاعر: «ما هو إلّا كأنه حيّة» و: «كأنّ مشيته مشية حيّة» يصفون ذلك، ويذكرون عنده مشية الأيم والحباب، وذكور


[١] ٢٤/البقرة: ٢.
[٢] ١١/فاطر: ٣٥.
[٣] ١/الإنسان: ٧٦.
[٤] ٢/الإنسان: ٧٦.
[٥] ٤٥/النور: ٢٤.
[٦] ٢٠/طه: ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>