للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب آخر وهو عندي أعجب من الأول]

وهو ابتلاعه الجمر حتى ينفذ إلى جوفه، فيكون جوفه هو العامل في إطفائه، ولا يكون الجمر هو العامل في إحراقه.

وأخبرني إبو إسحاق إبراهيم بن سيّار النّظّام- وكنّا لا نرتاب بحديثه إذا حكى عن سماع أو عيان- أنّه شهد محمد بن عبد الله- يلقي الحجر في النّار، فإذا عاد كالجمر قذف به قدّامه، فإذا هو يبتلعه كما يبتلع الجمر. كنت قلت له: إنّ الجمر سخيف سريع الانطفاء إذا لقي الرّطوبات، ومتى أطبق عيه شيء يحول بينه وبين النّسيم خمد، والحجر أشدّ إمساكا لما يتداخله من الحرارة، وأثقل ثقلا، وألزق لزوقا وأبطأ انطفاء، فلو أحميت الحجارة! فأحماها ثم قذف بها إليه، فابتلع الأولى فارتبت به، فلما ثنى وثلّث اشتدّ تعجبي له، فقلت له: لو أحميت أواقيّ الحديد، ما كان منها ربع رطل ونصف رطل! ففعل، فابتلعه، فقلت: هذا أعجب من الأوّل والثّاني، وقد بقيت علينا واحدة، وهو أن ننظر: أيستمري الحديد كما يستمري الحجارة؟ ولم يتركنا بعض السفهاء وأصحاب الخرق [١] أن نتعرّف ذلك على الأيّام.

وكنت عزمت على ذبحه وتفتيش جوفه وقانصته، فلعلّ الحديد يكون قد بقي هناك لا ذائبا ولا خارجا فعمد بعض ندمائه إلى سكّين فأحمي، ثم ألقاه إليه فابتلعه، فلم يجاوز أعلى حلقه حتى طلع طرف السّكين من موضع مذبحه، ثمّ خرّ ميّتا. فمنعنا بخرقه من استقصاء ما أردنا.

١١٦٨-[شبه النعامة بالبعير وبالطائر]

وفي النّعامة أنّها لا طائر ولا بعير، وفيها من جهة المنسم والوظيف [٢] والخرمة [٣] ، والشقّ الذي في أنفه، ما للبعير. وفيها من الرّيش والجناحين والذّنب والمنقار، ما للطائر. وما كان فيها من شكل الطّائر أخرجها ونقلها إلى البيض، وما كان فيها من شكل البعير لم يخرجها ولم ينقلها إلى الولد. وسماها أهل


[١] الخرق: العمق.
[٢] الوظيف: مستدق الذراع والرجل من الإبل.
[٣] الخرمة: موضع الخرم من الأنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>