للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وربداء يكفيها الشّميم وما لها ... سوى الرّبد من أنس بتلك المجاهل

يخبر أنّ النّعامة لا تستأنس بشيء من الوحش، وأنّ الشّمّ يغنيها في فهم ما تحتاج إليه.

وهي مع ذلك إذا صارت إلى دور النّاس، فليس معها من الوحشة منهم، على قدر ما يذكرون.

وفي الوحش ما يأنس، وفيها ما لا يأنس. وقال كثيّر [١] : [من الطويل]

فأقسمت لا أنساك ما عشت ليلة ... وإن شحطت دار وشطّ مزارها

وما استنّ رقراق السّراب وما جرت ... ببيض الرّبا أنسيّها ونوارها [٢]

ووصف بلادا قفارا غير مأنوسة فقال [٣] : [من الخفيف]

ما ترى العين حولها من أنيس ... قربها غير رابدات الرّئال [٤]

خصّها بالذّكر؛ لأنها أنفر وأشرد، وأقلّ أنسا من جميع الوحش.

وقال الأحيمر [٥] : كنت آتي الظّبي حتى آخذ بذارعيه؛ وما كان شيء من بهائم الوحش ينكرني إلّا النّعام. وأنشد قول ذي الرّمّة [٦] : [من الطويل]

وكلّ أحمّ المقلتين كأنّه ... أخو الإنس من طول الخلاء المغفّل [٧]


[١] ديوان كثير ٤٣٠- ٤٣١.
[٢] استن: اضطرب. النور: النافر الذي لا يستأنس من الحيوان.
[٣] ديوان كثير ٣٩٨.
[٤] رابدات: مقيمات. الرئال: فراخ النعام.
[٥] هو الأحيمر السعدي، وتمام الخبر في عيون الأخبار ٢/٨٨: «كنت حين خلعني قومي وأطلّ السلطان دمي، وهربت وترددت في البوادي، ظننت أني قد جزت نخل وبار أو قريب منها، وذلك أني كنت أرى النوى في رجع الذئاب، وكنت أغشى الظباء وغيرها من بهائم الوحش، فلا تنفر مني، لأنها لم تر أحدا قبلي، وكنت أمشي إلى الظبي السمين فآخذه، وعلى ذلك رأيت جميع تلك الوحوش إلا النعام، فإنه لم أره إلا نافرا فزعا» .
[٦] ديوان ذي الرمة ١٤٦٢، وعيون الأخبار ٢/٨٨، والمعاني الكبير ٧٥٤، وجمهرة الأمثال ٢/٣١٧، وشرح ديوان الحماسة للتبريزي ١/٣٤٣.
[٧] في ديوانه «يريد: وكل ثور أسود العينين كأنه أخو الإنس لا ينحاش من الناس، لا يفزع منهم لأنه لا يعرفهم» والمغفل: الذي لا علامة فيه ولا أثر.

<<  <  ج: ص:  >  >>