للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمعا عظيما!. قال: فو الله ما ألجموا وأسرجوا حتى رأوا ساطع الغبار، ولا تلبّسوا [١] وتسلّحوا حتّى رأوا الطليعة [٢] . فما التأموا حتى استوى أصحاب قحطبة على ظهور خيولهم. ولولا نظرة خالد بن برمك وفراسته، لقد كان ذلك الجيش اصطلم [٣] .

١٢٢٦-[قصة في قوة الشمّ]

وكان إبراهيم بن السّنديّ يحدّثنا من صدق حسّ أبيه في الشّمّ، بشيء ما يحكى مثله إلّا عن السّباع والذّرّ والنّعام. وزعم أنّ أباه قال ذات يوم: أجد ريح بول فأرة! ثمّ تشمّم وأجال أنفه في المجلس، فقال: هو في تلك الزّاوية! فنظروا فإذا على طرف البساط من البلل بقدر الدّرهم، أو أوسع شيئا، فقضوا أنّه بول فأرة.

قال: وشهدته مرّة وأشراطه [٤] قيام على رأسه في السّماطين [٥] ، فقال: أجد ريح جورب عفن منتن! فتشمّمنا بأجمعنا، فلم نجد شيئا، ثمّ تشمّم وقال: انزعوا خفّ ذاك. فنزعوا خفّه، فكلّما مدّ النازع له شيئا بدا من لفافته. فما زال النّتن يكثف ويزداد، حتى خلع خفّه ونزعه من رجله، فظهر من نتن لفافته ما عرف به صدق حسّه. ثمّ قال: انزعوا الآن أخفافكم بأجمعكم، فلا بدّ من ألّا يكون في جميع اللّفائف منتن غير لفافته، أو تكون لفافته أنتنها؛ فنزعوا، فلم يجدوا في جميعها لفافة منتنة غيرها.

وأنشدوا [٦] : [من الطويل]

غزا ابن عمير غزوة تركت لنا ... ثناء كنتن الجورب المتخرّق

١٢٢٧-[أقوى درجات التشمم]

وليس الذي يحكى من صدق الحسّ في الشّم- عن بعض النّاس، وعن النّعام والسّباع، والفأر والذّرّ، وضروب من الحشرات- من شكل ما نطق به القرآن العظيم،


[١] تلبسوا: لبسوا ثياب الحرب.
[٢] طليعة الجيش: أولهم.
[٣] اصطلم الجيش: استؤصل وأبيد.
[٤] الأشراط: الحرس.
[٥] السماطين: مثنى سماط، وهو الصف من الناس.
[٦] البيت بلا نسبة في ثمار القلوب ٤٨٦ (٨٦٧) ، والمستقصى ١/٣٨٢، والوساطة ٤٠٠، وتقدم في ١/١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>