للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: «إنّي لست كأحدكم، إنّي أبيت عند ربّي، يطعمني ويسقيني» [١] .

١٢٢٩-[جدال في ذبح الحيوان وقتله]

ورجال ممّن ينتحل الإسلام، يظهرون التقذّر من الصّيد، ويرون أنّ ذلك من القسوة، وأنّ أصحاب الصّيد لتؤدّيهم الضّراوة التي اعترتهم من طروق الطّير في الأوكار، ونصب الحبائل للظّباء، التي تنقطع عن الخشفان [٢] حتى تموت هزلا وجوعا، وإشلاء السّباع على بهائم الوحش وستسلم أهلها إلى القسوة، وإلى التهاون بدماء النّاس.

والرّحمة شكل واحد. ومن لم يرحم الكلب لم يرحم الظّبي، ومن لم يرحم الظّبي لم يرحم الجدي، ومن لم يرحم العصفور لم يرحم الصّبيّ. وصغار الأمور تؤدّي إلى كبارها.

وليس ينبغي لأحد أن يتهاون بشيء ممّا يؤدي إلى القسوة يوما ما. وأكثر ما سمعت هذا الباب، من ناس من الصّوفيّة، ومن النّصارى؛ لمضاهاة النّصارى سبيل الزّنادقة، في رفض الذبائح، والبغض لإراقة الدّماء، والزّهد في أكل اللّحمان.

وقد- كان يرحمك الله- على الزّنديق ألّا يأتي ذلك في سباع الطّير، وذوات الأربع من السّباع. فأما قتل الحيّة والعقرب، فما كان ينبغي لهم البتّة أن يقفوا في قتلهما طرفة عين؛ لأنّ هذه الأمور لا تخلو من أن تكون شرّا صرفا، أو يكون ما فيها من الخير مغمورا بما فيها من الشرّ. والشّرّ شيطان، والظّلمة عدوّ النّور. فاستحياء الظلمة وأنت قادر على إماتتها، لا يكون من عمل النّور. بل قد ينبغي أن تكون رحمة النّور لجميع الخلائق والنّاس، إلى استنقاذهما من شرور الظّلمة.

وكما ينبغي أن يكون حسنا في العقل استحياء النّور والعمل في تخليصه والدّفع عنه- فكذلك ينبغي أن يكون قتل الظّلمة وإماتتها، والعون على إهلاكها، وتوهين أمرها- حسنا.


[١] أخرج البخاري في الصوم برقم ١٨٦٠، ومسلم في الصيام برقم ١١٠٤ (عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تواصلوا. قالوا: إنك تواصل، قال: لست كأحد منكم، إني أطعم وأسقى، أو: إني أبيت أطعم وأسقى) وأعاده البخاري في التمني برقم ٦٨١٤.
[٢] الخشفان: جمع خشف، وهو ولد الظبية عندما يتحرك للمشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>