للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبهيمة التي يرون أن يدفعوا عنها أيضا ممزوجة [١] ، إلّا أنّ شرّها أقلّ. فهم إذا استبقوها فقد استبقوا الشّرور المخالطة لها.

فإن زعموا أنّ ذلك إنّما جاز لهم؛ لأنّ الأغلب على طباعها النّور فليغتفروا في هذا الموضع إدخال الأذى على قليل ما فيها من أجزاء الشّرّ كما اغتفروا ما في إدخال الروح والسّرور على ما في البهيمة من أجزاء الظّلمة لدفعهم عن البهيمة؛ إذ كان أكثر أجزائها من النّور.

وإنّما ذكرت ما ذكرت؛ لأنّهم قالوا: الدّليل على أنّ الذي أنتم فيه، من أكل الحيوان كلّ يوم من الذبائح، مكروه عند الله، أنّكم لم تروا قطّ ذبّاحي الحيوان ولا قتّالي الإنسان، ولا الذين لا يقتاتون إلّا اللّحمان يفلحون أبدا. ويستغنون؛ كنحو صيّادي السّمك وصيّادي الوحش وأصناف الجزّارين والقصّابين، والشّوّائين والطهّائين والفهّادين والبيازرة [٢] والصّقّارين والكلابين؛ لا ترى أحدا منهم صار إلى غنى ويسر، ولا تراه أبدا إلا فقيرا محارفا [٣] ، وعلى حال مشبهة بحاله الأولى.

وكذلك الجلادون، ومن يضرب الأعناق بين يدي الملوك. وكذلك أصحاب الاستخراج والعذاب، وإن أصابوا الإصابات، وجميع أهل هذه الأصناف.

نعم؛ وحتّى ترى بعضهم وإن خرج نادرا خارجيّا، ونال منهم ثروة وجاها وسلطانا، فإمّا أن يقتل، وإمّا يغتصب نفسه بميتة عاجلة، عند سروره بالثّروة، أو يبعث الله عليه المحق [٤] فلا ينمو له شيء، وإما ألّا يجعل من نسلهم عقبا مذكورا، ولا ذكرا نبيها وذرّيّة طيبة، مثل الحجّاج بن يوسف، وأبي مسلم، ويزيد بن أبي مسلم ومثل أبي الوعد، ومثل رجال ذكروهم لا نحبّ أن نسميهم.

قال: فإنّ هؤلاء، مع كثرة الطّروقة [٥] وظهور القدرة، ومع كثرة الإنسال، قد قبح الله أمرهم، وأخمل أولادهم. فهم بين من لم يعقب، أو بين من هو في معنى من لم يعقب.


[١] ممزوجة: أي ممزوج فيها الخير بالشر.
[٢] البيازرة: جمع بيزار، وهو القائم بأمر البازي.
[٣] المحارف: المحروم.
[٤] المحق: النقصان.
[٥] الطروقة: الزوجة، والمرأة.

<<  <  ج: ص:  >  >>