للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يطفئ النيران، فأراد عبد الله أن يبدأ بنار جور فيطفئها [١] ، فقيل له: ليست للمجوس نار أعظم من نار الكاريان [٢] من دار الحارث. فإن أطفأتها لم يمتنع عليك أحد، وإن أطفأت سافلتها استعدّوا للحرب وامتنعوا. فابدأ بها. فخرج إلى الكاريان فتحصّن أهلها في القلعة. وكان رجل من الفرس من أهل تلك البلاد معروف بالشدّة. لا يقدر عليه أحد، وكان يمرّ كلّ عشيّة بباب منزله استخفافا وإذلالا بنفسه، فغمّ ذلك عبد الله، فقال: أما لهذا أحد؟! وكان مع عبد الله بن أبي بكرة رجل من عبد القيس، من أشدّ النّاس بطشا، وكان جبانا، فقالوا له: هذا العبدي، هو شديد جبان. وإن أمرته به خاف القتال فلم يعرض له. فاحتل له حيلة. فقال: نعم.

قال: فبينا هو في مجلسه إذ مرّ الفارسيّ، فقال عبد الله: ما رأيت مثل خلق هذا، وما في الأرض- كما زعموا- أشدّ منه بطشا! ما يقوى عليه أحد! فقال العبدي:

ما تجعلون لي إن احتملته حتّى أدخله الدّار وأكتفه؟ فقال له عبد الله: لك أربعة آلاف درهم. فقال: تفون لي بألف؟ قال: نعم! فلمّا كان الغد مرّ الفارسيّ، فقام إليه العبديّ فاحتمله فيما امتنع ولا قدر أن يتحرّك، حتّى أدخله الدّار وضرب به الأرض ووثب عليه النّاس فقتلوه، وغشي على العبدي حين قتلوه. فلما قتل أعطى أهل القلعة بأيديهم [٣] . فقتل ابن أبي بكرة الهرابذة، وأطفأ النّار، ومضى يطفئ النّيران حتّى بلغ سجستان.

والمجوس تقدّم النّار في التّعظيم على الماء، وتقدّم الماء في التّعظيم على الأرض. ولا تكاد تذكر الهواء.

١٢٥٤-[نار السعالي والجن والغيلان]

ونار أخرى، التي يحكونها من نيران السّعالي [٤] والجنّ وهي غير نار الغيلان.

وأنشد أبو زيد لسهم بن الحارث [٥] : [من الطويل]


[١] ورد مثل هذا الكلام في معجم البلدان (جور) .
[٢] الكاريان: مدينة بفارس صغيرة، ورستاقها عامر، وبها بيت نار معظم عند المجوس. معجم البلدان (الكاريان) .
[٣] أعطوا بأيديهم: استسلموا.
[٤] السعالي: جمع سعلاة، وهي أخبث الغيلان، ويزعمون أنها أنثى الجن. حياة الحيوان ١/٥٥٥.
[٥] الأبيات لشمر بن الحارث الضبي في الحماسة البصرية ٢/٢٤٦، ولشمير بن الحارث في نوادر أبي زيد ١٢٣، ولتأبط شرا في ديوانه ٢٥٥- ٢٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>