للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي رأيناه قد ظهر من الحطب، لو كان في الحطب لكان واجبا أن يجده من مسّه كالجمر المتوقد، إذا لم يكن دونه مانع منه. ولو كان هناك مانع لم يكن ذلك المانع إلا البرد؛ لأن اللون والطعم والرائحة لا يفاسد الحرّ، ولا يمانعه إلا الذي يضادّه، دون الذي يخالفه ولا يضاده.

فإن زعم زاعم أنه قد كان هناك من أجزاء البرد ما يعادل ذلك الحرّ ويطاوله، ويكافيه ويوازيه؛ فلذلك صرنا إذا مسسنا الحطب لم نجده مؤذيا، وإنما يظهر الحرق ويحرق لزوال البرد، إذا قام في مكانه وظهر الحرّ وحده فظهر عمله. ولو كان البرد المعادل لذلك الحرّ مقيما في العود على أصل كمونه فيه. لكان ينبغي لمن مسّ الرّماد بيده أن يجده أبرد من الثلج. فإذا كان مسه كمسّ غيره، فقد علمنا أنه ليس هناك من البرد ما يعادل هذا الحرّ الذي يحرق كلّ شيء لقيه.

فإن زعم أنهما خرجا جميعا من العود، فلا يخلو البرد أن يكون أخذ في جهته، فلم وجدنا الحرّ وحده وليس هو بأحق أن نجده من ضدّه. وإن كان البرد أخذ شمالا، وأخذ الحرّ جنوبا، فقد كان ينبغي أن يجمد ويهلك ما لاقاه، كما أهلك الحر وأحرق وأذاب كلّ ما لاقاه.

قالوا: فلما وجدنا جميع أقسام هذا الباب، علمنا أن النار لم تكن كامنة في الحطب.

قال أبو إسحاق: والجواب عن ذلك أنا نزعم أن الغالب على العالم السفليّ الماء والأرض، وهما جميعا باردان، وفي أعماقهما وأضعافهما من الحر ما يكون مغمورا ولا يكون غامرا، ويكون مقموعا ولا يكون قامعا؛ لأنه هناك قليل، والقليل ذليل، والذليل غريب، والغريب محقور. فلما كان العالم السفلي كذلك، اجتذب ما فيه من قوة البرد وذلك البرد الذي كان في العود عند زوال مانعه؛ لأن العود مقيم في هذا العالم. ثم لم ينقطع ذلك البرد إلى برد الأرض، الذي هو كالقرص له، إلا بالطّفرة [١] والتخليف [٢] ، لا بالمرور على الأماكن والمحاذاة لها وقام برد الماء منه مقام قرص الشمس من الضياء الذي يدخل البيت للخرق الذي يكون فيه، فإذا سدّ فمع السّدّ ينقطع إلى قرصه، وأصل جوهره.


[١] الطفرة: الوثبة.
[٢] التخليف: التّرك.

<<  <  ج: ص:  >  >>