للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والماء ليس يجمد للبرد فقط، فيكون متى رأينا بلدة ثلجها أكثر، حكمنا أن نصيبها من البرد أوفر.

وقد تكون الليلة باردة جدا، وتكون صنّبرة [١] فلا يجمد الماء، ويجمد فيما هو أقلّ منها بردا. وقد يختلف جمود الماء في الليلة ذات الريح، على خلاف ما يقدّرون ويظنون.

وقد خبرني من لا أرتاب بخبره، أنهم كانوا في موضع من الجبل، يستغشون [٢] به بلبس المبطّنات [٣] ، ومتى صبوا ماء في إناء زجاج، ووضعوه تحت السماء، جمد من ساعته.

فليس جمود الماء بالبرد فقط، ولا بد من شروط ومقادير، واختلاف جواهر، ومقابلات أحوال، كسرعة البرد في بعض الأدهان، وإبطائه عن بعض وكاختلاف عمله في الماء المغلى، وفي الماء المتروك على حاله وكاختلاف عمله في الماء والنبيذ، وكما يعتري البول من الخثورة والجمود، على قدر طبائع الطعام والقلة.

والزّيت خاصة يصيبه المقدار القليل من النار، فيستحيل من الحرارة إلى مقدار لا يستحيل إليه ما هو أحرّ.

١٢٩٦-[ردّ آخر على المجوس]

وحجة أخرى على المجوس. وذلك أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم، لو كان قال: لم أبعث إلا إلى أهل مكة- لكان له متعلق من جهة هذه المعارضة. فأما وأصل نبوّته، والذي عليه مخرج أمره وابتداء مبعثه إلى ساعة وفاته، أنه المبعوث إلى الأحمر والأسود، وإلى الناس كافة [٤] ، وقد قال الله تعالى:


[١] الصنبرة: الشديدة البرد.
[٢] يستغشون: يتغطون.
[٣] المبطنات: ثياب مبطنة بالفراء.
[٤] انظر مسند أحمد ١/٢٥٠، ٣٠١، ٤٠٣. وصحيح البخاري في كتاب التيمم، الحديث ٣٢٨، وكتاب المساجد، الحديث ٤٢٧، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة، الحديث ٥٣١، والدارمي في «السير» ، والنسائي في «الطهارة» . وفي النهاية ١/٤٣٧ «بعثت إلى الأحمر والأسود، أي العرب والعجم؛ لأن الغالب على ألوان العجم الحمرة والبياض، وعلى ألوان العرب الأدمة والسمرة.
وقيل: أراد الجن والإنس. وقيل: أراد بالأحمر: الأبيض مطلقا.

<<  <  ج: ص:  >  >>