للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم صارت تقدح على الاحتكاك حتى تلهبت، كالساج [١] في السفن إذا اختلط بعضه ببعض عند تحريك الأمواج لها؟ ولذلك أعدّوا لها الرجال لتصبّ من الماء صبّا دائما. وتدوّم الريح فتحتك عيدان الأغصان في الغياض، فتلتهب نار فتحدث نيران.

ولم صار العود يحمى إذا احتكّ بغيره؟ ولم صار الطّلق [٢] لا يحمى؟ فإن قلت لطبيعة هناك، فهل دللتمونا إلا على اسم علّقتموه على غير معنى وجدتموه؟ أولسنا قد وجدنا عيون ماء حارة وعيون ماء بارد، بعضها يبرص وينفط الجلد [٣] ، وبعضها يجمد الدم ويورث الكزاز [٤] ؟ أولسنا قد وجدنا عيون ريح [٥] وعيون نار [٦] ؟ فلم زعمتم أن الريح والماء كانا مختنقين في بطون الأرض ولم تجوّزوا لنا مثل ذلك في النار؟ وهل بين اختناق الريح والماء فرق؟ وهل الريح إلا هواء تحرّك؟ وهل بين المختنق والكامن فرق؟.

وزعم أبو إسحاق: أنه رمى بردائه في بئر النبي صلّى الله عليه وسلّم التي من طريق مكة، فردّته الريح عليه.

وحدّثني رجل من بني هاشم قال: كنت برامة [٧] ، من طريق مكة فرميت في بئرها ببعرة فرجعت إليّ، ثم أعدتها فرجعت، فرميت بحصاة فسمعت لها حريقا [٨] وحفيفا [٩] شديدا وشبيها بالجولان، إلى أن بلغت قرار الماء.


[١] الساج: شجر يعظم جدّا، ويذهب طولا وعرضا، وله ورق أمثال التراس الديلمية، يتغطى الرجل بورقة منه فتكنه «أي تستره» من المطر، وله رائحة طيبة. تشابه رائحة ورق الجوز مع رقة ونعمة.
«اللسان: سوج» .
[٢] الطّلق: نبت تستخرج عصارته فيتطلى به الذين يدخلون في النار. «اللسان: طلق» .
[٣] يبرص: يصيب بالبرص. ينفط: أصابه بالنفطة، وهي في أصلها بشرة تخرج في اليد من العمل ملأى ماء.
[٤] الكزاز: تشنج يصيب الإنسان.
[٥] عيون ريح: تنجم عن تحلل مواد عضوية في باطن الأرض، فتنشأ أبخرة وتتجمع، ثم تندفع إلى ظاهر الأرض.
[٦] عيون نار: هي ما تعرف بالبراكين.
[٧] رامة: منزل بينه وبين الرمادة ليلة، في طريق البصرة إلى الكوفة. «معجم البلدان: رامة» .
[٨] الحريق: الصريف، وفي الحديث: «يحرقون أنيابهم غيظا وحنقا» أي يحكّون بعضها ببعض.
والصوت الذي سمعه ذلك الرجل من الحصاة إنما هو لدفع الهواء إياها إلى أعلى ومحاولتها هي النزول.
[٩] الحفيف: صوت الشيء تسمعه كالرنّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>