للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل السّابع فى الإشارة

[الإشارة]

الإشارة أن يكون اللفظ القليل مشارا به إلى معان كثيرة، بإيماء إليها ولمحة تدل عليها؛ وذلك كقوله تعالى: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى

. وقول الناس: لو رأيت عليّا بين الصفين؛ فيه حذف وإشارة إلى معان كثيرة.

وأخبرنا أبو أحمد، قال أخبرنا أبو بكر الصولى، قال أخبرنا الحزنبل، قال:

لما ولّى المهتدى بالله وزارته سليمان بن وهب قام إليه رجل من ذى حرمته، فقال:

أعز الله الوزير! خادمك المؤمّل لدولتك، السعيد بأيامك، المنطوى القلب على مودتك، المبسوط اللسان بمدحتك، المرتهن الشكر بنعمتك، وإنما أنا كما قال القيسى: ما زلت أمتطى النهار إليك، وأستدلّ بفضلك عليك؛ حتى إذا أجنّنى الليل، فقبض البصر، ومحا الأثر، قام بدنى، وسافر أملى، والاجتهاد عذر، وإذا بلغتك فقط. فقال سليمان:

لا بأس عليك فإنى عارف بوسيلتك، محتاج إلى كفايتك، ولست أؤخر عن يومى هذا توليتك بما يحسن عليك أثره، ويطيب لك خيره إن شاء الله. فقوله: «وإذا بلغتك فقط» إشارة إلى معان كثيرة يطول شرحها.

وكتب آخر إلى آخر: أتعيّرنى وأنا أنا! والله لأزرن عليك الفضاء، ولأبغّضنك لذيذ الحياة، ولأحبّبنّ إليك كريه الممات، ما أظنك تربع على ظلعك، وتقيس شبرك بفترك؛ حتى تذوق وبال أمرك، فتعتذر حين لا تقبل المعذرة، وتستقيل حين لا تقال العثرة. فقوله: «وأنا أنا» إشارة إلى معان كثيرة، وتهديد شديد، وإيعاد كثير.

ومن المنظوم قول امرىء القيس «١» :

فإن تهلك شنوءة أو تبدّل ... فسيرى إنّ فى غسان خالا «٢»

<<  <   >  >>