للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال النابغة «١» :

فإنك سوف تحلم أو تناهى ... إذا ما شبت أو شاب الغراب

[مثال الغلو من النثر]

ومثال الغلو من النثر قول امرأة من العجم كانت لا تظهر إذا طلعت الشمس فقيل لها فى ذلك، فقالت: أخاف أن تكسفنى. وقال أعرابى: لنا تمرة فطساء جرداء؛ تضع التمرة فى فيك، فتجد حلاوتها فى كعبك. وقيل لأعرابىّ: ما حضر «٢» فرسك؟

قال: يحضر ما وجد أرضا. ووصف أعرابى فرسه، فقال: إن الوابل ليصيب عجزه؛ فلا يبلغ إلى معرفته حتى أبلغ حاجتى. وذمّ أعرابى رجلا، فقال: يكاد يعدى لؤمه من تسمّى باسمه.

وكتب بعضهم يصف رجلا، فقال: أما بعد، فإنك قد كتبت تسأل عن فلان، كأنك قد هممت بالقدوم عليه، أو حدّثت نفسك بالوفود إليه، فلا تفعل، فإنّ حسن الظن به لا يقع إلا بخذلان الله تعالى، وإنّ الطمع فيما عنده لا يخطر على القلب إلا بسوء التوكل على الله تعالى، والرجاء لما فى يديه لا ينبغى إلا بعد اليأس من رحمة الله تعالى؛ لا يرى إلا أن الإقتار الذى نهى الله عنه هو التبذير الذى يعاقب عليه، والاقتصاد الذى أمر به هو الإسراف الذى يغضب منه، وأن الصنيعة مرفوعة، والصلة موضوعة، والهمة مكروهة، والثقة منسوخة، والتوسع ضلالة، والجود فسوق، والسخاء من همزات الشياطين، وأن مواساة الرجل أخاه من الذنوب الموبقة، وإفضاله عليه إحدى الكبائر المرهقة، وأن الله تعالى لا يغفر أن يؤثر المرء على نفسه، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن آثر على نفسه فقد ضل ضلالا بعيدا، وخسر خسرانا مبينا؛ كأنه لم يسمع بالمعروف إلا فى الجاهلية الذين قطع الله دابرهم، ومحا معالمهم، ونهى المسلمين عن اتباع آثارهم، وحظر عليهم أن يختاروا مثل اختيارهم، يظنّ أن الرّجفة لم تأخذ أهل مدين إلا لسخاء كان فيهم، ولم تهلك عادا بالريح العقيم

<<  <   >  >>