للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الاختيار الأول) نصره فى أسرار البلاغة، وهو أن ما هذا حاله من المجاز يكون مجازا لغويا، وحجته على ذلك هو أنا إذا أجرينا اسم الأسد على الرجل الشجاع فإنما نجريه بطريق التأويل، فلأجل هذا كان ما ذكرناه استعمالا للأسد فى غير موضوعه، ويؤيد ما ذكرناه ويزيده وضوحا هو أنا إذا أطلقنا على الرجل اسم الأسد فإنما كان ذلك الإطلاق من أجل اختصاصه بالشجاعة، ولا ندعى للرجل صورة الأسد وشكله وهيئته وتأليفه، واسم الأسد ليس موضوعا على معنى الشجاعة وحدها، بل هو موضوع على تمام هذه الهيئة وكمالها، فإذا أجرينا عليه اسم الأسد تبعا لثبوت صفة الشجاعة، فقد سلبنا عن الصيغة بعض ما كان مندرجا تحتها فى أصل وضعها من الشكل والهيئة وتدوير الوجه، وعرض المقادم، ودقة المآخير فيكون نقلا لها عما وضعت له فى الأصل.

(الاختيار الثانى) نصره فى دلائل الإعجاز، وتقرير كلامه: أنه قد كثر كلام الناس فى أن الاستعارة لفظة منقولة عن موضوعها الأصلى، وهو خطأ، وبيانه أنك لا تطلق لفظ الأسد على الرجل إلا بعد أن تعتقد أنه بصفة الأسد وشكله وهيئته، وتتصوره بجميع صفاته، فلما كان الأمر كما قلناه فأنت لم تنقل لفظة الأسد عما كانت موضوعة له فى الأصل. لأنك إنما تكون ناقلا لها إذا لم تقصد معناها الأصلى، فأما إذا كنت قاصدا له فلا وجه لكونها منقولة، فلأجل هذا قضينا بكون هذا المجاز عقليا، فهذا تقرير كلامه ههنا، وإلى كون هذا المجاز عقليا ذهب ابن الخطيب الرازى، واختار ما قرره عبد القاهر فى دلائل الإعجاز، والمختار عندنا ما نصره فى أسرار البلاغة من كونه لغويا، ومعتمدنا فى ذلك أمران، أحدهما أن القائل إذا قال لقينى الأسد، وجاءنى الأسد، فالسابق إلى الفهم من هذا هو أنه جاءه رجل بالغ فى الشجاعة كل مبلغ ليس فوقها رتبة لأنه شاكل الأسد فى شجاعته لا غير، وليس الغرض حصوله على هيئة الأسد، فى تدوير الهامة، وحدة الأنياب، وطول البراثن، إلى غير ذلك من الصفات، وإنما الغرض إحراز وصف الشجاعة دون غيره من الصفات.

وثانيهما أنه لو كان الغرض من إطلاق لفظ الأسد أنه لابد من إحراز جميع أوصافه ومعانيه، لكان إذا جردنا الاستعارة فقلنا جاءنى أسد يضحك، ورأيت أسدا له عقل

<<  <  ج: ص:  >  >>