للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمع الخلق لنا فى إمام ... قتل البخل وأحيى السماحا

وكقول الحريرى:

وأقر المسامع إما نطقت ... بيانا يقود الحرون الشموسا

[الحكم الرابع فى بيان موقع الاستعارة]

اعلم أنهم ربما بالغوا فى الاستعارة حتى ينزلوها منزلة الحقيقة، وبيان ذلك أنهم قد يستعيرون الوصف للشىء المعقول ويجعلون تأتيه لذلك الشىء على جهة التحقيق وكأن خلافها محال وكأن الاستعارة غير موجودة، وينكرون خلاف ذلك ويتعجبون منه، وهذا كقول أبى تمام:

ويصعد حتى يظن الجهول ... بأن له حاجة فى السماء

فقرر صعوده فى الخصال العالية، والمراتب الشريفة، على وجه لا يمكن جحده ولا يسوغ إنكاره، وأحسن من هذا وأوضح لما نحن فيه قول بعض الشعراء:

ومن عجب أن الصوارم والقنا ... تحيض بأيدى القوم وهى ذكور

وأعجب من ذا أنها فى أكفهم ... تأجج نارا والأكف بحور

فلولا أن هذه الاستعارة قد نزلت منزلة الحقائق لما كان للتعجب وجه، ومن هذا ما قاله بعض الأدباء:

لا تعجبوا من بلى غلالته ... قد زر أزراره على القمر

فالقمر من طبعه إبلاء الأثواب وتقطيعها فمعناه لا تعجبوا من تقطيع الغلالة فإنها مشتملة على القمر، فانظر إلى تحقيقه للاستعارة وتقريرها، ومن هذا قوله:

قامت تظللنى من الشمس ... نفس أعز على من نفسى

قامت تظللنى ومن عجب ... شمس تظللنى من الشمس

فلولا أنها قد نزلت عنده منزلة الشمس على الحقيقة لما كان للتعجب وجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>