للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دقيقة]

اعلم أنا قد جعلنا هذه القاعدة للتشبيه فصدرناها بلقبه، وحكينا عن المطرزى إنكار كونه معدودا من المجازات وإن عد من أنواع البلاغة، وإلى هذا ذهب الشيخ عبد الكريم صاحب التبيان، وغالب الظن بل نعلم قطعا أن كل ما كان من التشبيه مضمر الأداة كقولنا: زيد الأسد، ولقينى الأسد، وعمرو الشمس فى ضيائه، والقمر فى نوره، والبحر فى كرمه، إلى غير ذلك من التشبيهات المضمرة فإنهما لا يخالفان فى كون ما هذا حاله معدودا فى المجاز، وإن كان من التشبيه، لأن ظاهره الاستعارة وإن كان المشبه به فى طيه، فلهذا وجب عده فى المجاز، وإنما يتوجه خلافهما فيما كان من التشبيهات مظهر الأداة، كقولنا: هو كالبحر كرما، وكالقمر نورا، وكالبدر تماما وكمالا، فما كان بهذه الصورة ففيه مذهبان.

المذهب الأول أنه معدود من جملة المجازات، وهذا الذى يشير إليه كلام ابن الأثير، وحجته على ذلك أن قولنا: زيد أسد إذا كان معدودا فى المجاز باتفاق بين علماء البيان، فيجب فى قولنا: زيد كالأسد شجاعة، أن يعد فى المجاز أيضا، إذ لا تفرقة بينهما إلا من جهة ظهور الأداة، وظهورها إن لم يزده قوة ودخولا فى المجاز لم يكن مخرجا له عن المجاز، ولأن التمثيل إذا كان معدودا فى المجاز فى نحو قولنا: فلان يقدم رجلا ويؤخر أخرى، يقال للمتحير فى أمره فهكذا حال التشبيه أيضا.

المذهب الثانى إنكار كونه معدودا فى المجاز، كما حكيناه عن المطرزى وعبد الكريم، وغيرهما، وحجتهم على ما قالوا: أن المجاز استعمال اللفظ فى غير موضوعه الأصلى وقولنا. زيد كالأسد، مستعمل فى موضوعه فى الأصل، فلهذا لم يكن معدودا فى المجاز، فهذا تقرير الكلام فى المذهبين جميعا، والمختار عندنا كونه معدودا فى علوم البلاغة، لما فيه من الدقة واللطافة، ولما يكتسب به اللفظ من الرونق والرشاقة، ولاشتماله على إخراج الخفى إلى الجلى، وإدنائه البعيد من القريب، فأما كونه معدودا فى المجاز أو غير معدود، فالأمر فيه قريب بعد كونه من أبلغ قواعد البلاغة، وليس يتعلق به كبير فائدة، وربما كان الخلاف فى ذلك لفظيا فعدلنا عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>