للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنية نحوكم رانية، وكأنكم بمخالبها وقد نشبت فيكم، وقد دهمتكم فيها مفظعات الأمور، ومضلعات المحذور، فقطعوا علائق الدنيا، واستظهروا بزاد التقوى.

وأقول «إن هذا الكلام ليأخذ بمجامع القلوب إلى رفض الدنيا لو كان له قبول، أو صادفته آذان، أو وعته عقول» وقوله عليه السلام فى خطاب لمعاوية يوبخه فيه «فياعجبا للدهر إذ صرت تقرن بى من لم يسع بقدمى ولم يكن له كسابقتى التى لا يدلى بها أحد مثلى، إلا أن يدعى مدع مالا أعرفه، ولا أظن أن الله يعرفه، فالحمد لله على كل حال» .

وقال فى مخاطبة أهل البصرة «والله لئن ألجأتمونى إلى المسير إليكم، لأوقعن بكم وقعة لا يكون يوم الجمل إليها إلا كلعقة لاعق» . وقال فى خطاب آخر لمعاوية «فكأنى بك وقد رأيتك تضج من الحرب إذا عضتك ضجيج الجمال بالأثقال، وكأنى بجماعتك يدعوننى جزعا من الضرب المتتابع، والقضاء الواقع، ومصارع بعد مصارع، إلى كتاب الله وهى كافرة جاحدة، أو متابعة حائدة» .

فأما التشبيهات التى أضمرت فيها أداة التشبيه فيه فى كلامه أوسع مما ظهرت فيه الأداة، وقد ذكرنا من قبل أن التشبيه مهما خفى أمره فهو أدخل فى حسن الاستعارة، فمن ذلك قوله عليه السلام «رحم الله امرءا ألجم نفسه بلجامها، وزمامها، فأمسكها عن معاصى الله وقادها بزمامها إلى طاعة الله» فالتشبيه فى مثل هذا يمكن تقديره، لأنك إذا أظهرت أداة التشبيه لم يخرج الكلام عن فصاحته، ومما تظهر فيه أداة التشبيه على قرب وسهولة، قوله فى صفة الأرض «فجعلها لخلقه مهادا، وبسطها لهم فراشا، فوق بحر لجى راكد لا يجرى» كأنه قال كالمهاد، والفراش. ومما يصعب فيه تقدير أداة التشبيه فيكون استعارة محضة قوله عليه السلام فى التقوى أيقظوا بها نومكم، واقطعوا بها يومكم، وأشعروا بها قلوبكم، وارحضوا بها ذنوبكم، وداووا بها الأسقام، وبادروا بها الحمام، ألا وصونوها، وتصونوا بها» فهذه استعارات حسنة، ومعان دقيقة، إذا قدرت فيها أداة التشبيه، وخرج الكلام عن رونقه، وتبدل عن دباجته، وقال فى أهل البدع هم أساس الفسوق، وأحلاس العقوق، اتخذهم إبليس مطايا ضلال، وتراجمة ينطق على ألسنتهم فجعلهم مرمى نبله، وموطىء قدمه، ومأخذ يده» . وقال فى صفة الدنيا «حالها انتقال، ووطأتها زلزال، وعزها ذل، وجدها هزل، وعلوها سفل، دار حرب وسلب، ونهب وعطب، أهلها على ساق وسياق،

<<  <  ج: ص:  >  >>