للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النكتة الأولى]

قوله تعالى: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ

إنما جعله محبوبا لما جبلت عليه النفوس، ومالت إليه الأهواء، من الإسراع إلى الغيبة والإصغاء إلى من يتحدث بها، مع ما فيها من الحظر، ووعيد الشرع، فلهذا صدرها بالمحبة، مشيرا إلى ما ذكرناه، ويؤيد ما ذكرناه أنه أتى فيها بلفظ المحبة، ولم تجىء بلفظ الإرادة، دالا بذلك على موقعها فى النفوس وتطلع الخواطر إليها، ولفظ الإرادة يعطى هذا المعنى، ولا يتمكن فى الأفئدة تمكن المحبة فلهذا آثره.

[النكتة الثانية]

قوله تعالى: أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ

إنما جعل الغيبة بمنزلة أكل الإنسان لحم غيره، لما فى ذلك من شدة الملاءمة للمعنى، وعظم المناسبة فيه، وذلك أن الغيبة إنما تكون بذكر معايب الناس، وبيان مثالبهم وتمزيق أعراضهم، ولا شك أن تمزيق العرض مماثل لأكل الإنسان لحم من يغتابه، لأن أكل اللحم تقطيع له، وتمزيق لأوصاله، ومن وجه آخر، وهو أن الناس يولعون بالغيبة، ويشتد شوقهم إليها كما يولع الإنسان بأكل اللحم، ويعظم شوقه إليه، ولأجل هذا شبهه بأكل اللحم.

[النكتة الثالثة]

قوله تعالى: لَحْمَ أَخِيهِ

فأضافه إلى الأخ، وإنما جعله كلحم الأخ لأمرين، أما أولا فلأن التحريم إنما وقع فى غيبة المسلمين وأهل الديانة دون غيرهم، فلا حرمة له من كافر ولا فاسق، ولا شك أن المؤمنين إخوة بنص القرآن ولهذا أشار إليه بقوله: لَحْمَ أَخِيهِ

وأما ثانيا فلأن أكل الإنسان لحم الأجنبى يكون مستكرها خبيثا، فضلا عن كونه أخا له، فلا شك أن التحريم أوقع، والغيبة فيه أعظم من غيره، فلا جرم أورده على جهة المبالغة فى المعنى.

[النكتة الرابعة]

قوله تعالى: مَيْتاً

وإنما جعله مَيْتاً

لأمرين، أما أولا فلأن المغتاب غائبا بمنزلة الميت، فلا يشعر بما وقع فيه من النقص، ولا يستطيع الدفع لعدم شعوره، وأما ثانيا فلأن أكل اللحم إذا كان هزيلا ربما يستكره ويستخبث فى النفوس، فكيف به إذا كان ميتة، يكون لا محالة أدخل فى التقذير وأعظم فى الاستخباث.

<<  <  ج: ص:  >  >>