للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد أروح بمشرف ذى ميعة ... عسر المكرة ماؤه يتفصد

مرح يطير من المراح لعابه ... ويكاد جلد إهابه يتقدد

وكان عنّينا لا رغبة له فى النساء، وكان كثيرا ما يصف ذلك من نفسه، فهذان البيتان جعلهما كناية، فهما كما ترى دالان بحقيقتهما على شىء، وبمجازهما على غيره، وهذه هى فائدة الكناية. وحكى ابن الأثير أن سعيد بن عبد الرحمن وفد على هشام بن عبد الملك، وكان جميل الوجه، فراوده عبد الصمد على نفسه، فدخل على هشام مغضبا وهو يقول:

أما والله لولا أنت لم ... ينج منى سالما عبد الصمد

فقال هشام، ولم ذاك؟ فقال:

إنه قد رام منى خطة ... لم يرمها قبله منى أحد

فقال له هشام، وما هى؟ فقال:

رام جهلا بى وجهلا بأبى ... يدخل الأفعى إلى خيس الأسد

قال فضحك هشام، وقال: لو فعلت به شيئا لم أنكره عليك، ومما أنشده ابن الأثير فى الكناية وقال من لطيفها وعجيبها لأبى نواس فى الهجاء:

إذا ما كنت جار أبى حسين ... فنم ويداك فى طرف السلاح

فإن له نساء سارقات ... إذا ما بتن أطراف الرماح

سرقن وقد نزلن عليه أيرى ... فلم أظفر به حتى الصباح

فجاء وقد تخدش جانباه ... يئن إلى من ألم الجراح

فجعل قوله «أطراف الرماح» كناية عن العضو المشار إليه، وهذه عبارة فى غاية اللطافة، والحسن والرشاقة، ومن جيد الكناية وبديعها ما قاله الفرزدق يرثى امرأته:

وجفن سلاح قد رزئت فلم أنح ... عليه ولم أبعث عليه البواكيا

وفى جوفه من دارم ذو حفيظة ... لو ان المنايا أمهلته لياليا

وقد قيل: إنه ما كنى عن امرأة ماتت بأحسن من هذه الكناية، وإنها لجيدة فى معناها، فائقة فى مقصودها ومغزاها، ومما حسن موقعه فى الكناية قول الشريف الرضى:

أحن إلى ما يضمن الخمر والحلى ... وأصدف عما فى ضمان المآزر

ومن ذلك ما قاله أبو تمام فى الاستعطاف:

<<  <  ج: ص:  >  >>