للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرادة من الكناية، وهو عيب عند أهل البلاغة، ومن هذا قول الشريف الرضى يرثى امرأة:

إن لم تكن نصلا فغمد نصال

وهذا عندهم من ركيك الكناية ورديئها فإنه لا يعطى الفائدة المقصودة من الكناية، بل ربما سبق الوهم فى هذا الموضوع إلى ما يقبح ذكره من التهمة بالريبة، ومن هذا قول أبى الطيب المتنبى أيضا:

إنى على شغفى بما فى خمرها ... لأعف عما فى سراويلاتها

قال ابن الأثير: فهذه كناية عن النزاهة والعفة إلا أن الفجور أحسن منها وما ذاك إلا لنزول قدرها وسوء تأليفها. وقد أجاد الشريف الرضى فيما أساء فيه أبو الطيب فأورده على أحسن هيئة وجاء به فى أعجب قالب قال:

أحن إلى ما يضمن الخمر والحلى ... وأصدف عما فى ضمان المآزر

إلى غير ذلك من الأمثال.

[البحث الثانى فى بيان حكمها]

اعلم أن أنس النفوس وسكونها متوقف على إخراجها من غامض إلى واضح ومن خفى إلى جلى، وإبانتها بصريح بعد مكنى وأن تردها فى شىء تعلمها إياه إلى شىء آخر هى بشأنه أعلم وثقتها به أقوى، وتحققها له أدخل، ومن ثم كان التمثيل بالأمور المشاهدة أوقع ولمادة الشبه أقطع، وإذا أردت أن ترى شاهدا على ما قلت فانظر إلى قوله تعالى: كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً

[العنكبوت: ٤١] فالله تعالى ضربه مثالا لضعف الأمر وهونه فى كل شىء فأنت لو فكرت فى نفسك، وبالغت فى نظرك وحدسك فى وصف الضعف، لكان غاية أمرك ونهاية تقديرك، أن تقول كأضعف ما يكون وأهونه، أو تقول هو كالهواء أو غير ذلك من التقدير والتصوير، لكان دون ما ذكره الله تعالى فى المثال، وهكذا لو قلت فلان يكد نفسه فى قراءة الكتب، ويتعب نفسه بجمعها، ويتحمل فى التعلم الإصار والمتاعب كلها، وهو لا يفهم شيئا ويسكت، فإنك تجد فرقا بين أن تذكر هذا وبين أن تتلو الآية وتقول كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً

[الجمعة: ٥] فإنك تجد مصداق ما قلته

<<  <  ج: ص:  >  >>