للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التنبيه الثانى]

من حق المحدّث عنه فى الجملة الثانية، أن يكون له تعلق بالمحدث عنه فى الجملة الأولى، حتى يكونا كالنظيرين والشريكين، ولا يجوز أن يكون أجنبيا عنه بحيث لا علقة بينهما ولا مشابهة بحال، ولهذا حسن: زيد قائم، وعمرو قاعد، وزيد أخوك، وبشر صاحبك، لما كان عمرو، وبشر، لهما تعلق بزيد ونظيران له، وقبح قولنا: خرجت من دارى، وأحسن ما قيل من الشعر كذا، لما كان الثانى لا تعلق له بالأول، ولا مناسبة بينه، وبينه ولهذا عيب على أبى تمام قوله «١» :

لا والذى هو عالم أن النوى ... صبر وأن أبا الحسين كريم

إذ لا ملابسة بين كرم أبى الحسين وبين مرارة النوى، ولا تعلق لأحدهما بالآخر، وكما وجب أن يكون بين المحدث عنه فى الجملتين هذه الملاءمة والمشابهة، فهكذا أيضا يجب فى الخبر الثانى أن يكون مشابها للخبر الأول أو مناقضا له، ولهذا حسن قولنا: زيد خطيب، وعمرو شاعر، وبكر فقيه، وخالد محدث، وزيد قائم، وعمرو قاعد، وقبح قولنا: زيد طويل القامة، وعمرو شاعر، إذ لا تعلق بين طول القامة، وبين كونه شاعرا، وهكذا زيد كاتب، وعمرو باع داره، لأجل ما بينهما من المنافرة.

[إشارة]

إذا أوجبتم ما تقدم من وجوب الملاءمة بين المعطوف والمعطوف عليه فكيف يقال فى قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها

[البقرة: ١٨٩] وأى ارتباط بين أحكام الأهلة وبين حكم إتيان البيوت من ظهورها؟ قلنا فيه أجوبة ثلاثة؛ أحدها أنه لما ذكر أنها مواقيت للحج، وكان من عادتهم ذلك كما نقل فى الحديث أن ناسا كانوا إذا أحرموا لم يدخل أحدهم بيتا ولا خيمة ولا خباء من باب، بل إن كان من أهل المدر نقب نقبا من ظاهر البيت يدخل منه، وإن كان

<<  <  ج: ص:  >  >>