للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الزمر: ٦٦] ولم يقل: بل اعبد الله، لأجل الاختصاص، وعلى هذا يحمل قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ

[الفاتحة: ٥] فتقدمه من أجل الاختصاص، وهذا فيه نظر لقوله تعالى لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ

[قريش: ٣] وقوله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً

[النساء: ٣٦] وقوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ

[الحجر: ٩٩] وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ

[الحج: ٧٧] ولو كان التقديم من أجل الاختصاص لوجب تقديمه فى هذه الآيات كلها، فلما ورد مؤخرا عن الفعل والمعنى واحد بطل ما قاله.

المذهب الثانى أنه إنما قدّم من أجل المشاكلة لرءوس الآى، ومراعاة حسن الانتظام، واتفاق أعجاز الكلم السجعية؛ لأن قبله مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ

[الفاتحة: ٤] فلو قال: نعبدك، ونستعينك، لذهبت تلك الطلاوة، ولزالت تلك العذوبة، وهذا شىء يحكى عن بعض علماء البيان واختاره ابن الأثير، والمختار عندنا أنه لا منافاة بين الأمرين فيجوز أن يكون التقديم من أجل الاختصاص، والتشاكل، فيكون فى التقديم مراعاة لجانب اللفظ والمعنى جميعا، فالاختصاص أمر معنوى، والتشاكل أمر لفظى. وعلى هذا ورد قوله تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى

[طه: ٦٧] وقوله تعالى: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١)

[الحاقة: ٣٠- ٣١] ومنه قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠)

[الضحى: ٩- ١٠] وقوله تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ

[يس: ٣٩] ولم يقل وقدّرنا القمر، ليطابق ما تقدم من الجمل الابتدائية فى قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ

[يس: ٣٧] وقوله وَالشَّمْسُ تَجْرِي

[يس: ٣٨] فبالتقديم تحصل ملاحظة الأمرين جميعا.

الصورة الثانية [تقديم خبر المبتدأ عليه]

فى نحو قولك: قائم زيد، فى: زيد قائم، فإنك إذا أخرت الخبر فليس فيه إلا الإخبار بأن زيدا قائم لا غير من غير تعرض لمعنى من المعانى البليغة، بخلاف ما إذا قدمته وقلت: قائم زيد، فإنك تفيد بتقديمه أنه مختص بهذه الصفة من بين سائر صفاته من الأكل، والضحك وغيرها، أو تفيد تخصيصه بالقيام دون غيره من سائر أمثاله، وتفيد وجها آخر وهو أنه يكون كلاما مع من يعرف زيدا وينكر قيامه فتقول: قائم زيد، ردا لإنكار من ينكره، ومن هذا قوله تعالى: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ

[الحشر: ٢] فإنما قدم قوله: مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ

وهو خبر المبتدأ فى أحد وجهيه، ليدل بذلك على فرط اعتقادهم لحصانتها ومبالغة فى شدة وثوقهم بمنعها إياهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>