للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحد التأولين تعضده قراءة أخرى وجب حملها على التأويل المعضود بقراءة أخرى، ولا يكون. شركاءكم عطفا، لأنه لا يقال أجمعت شركائى وإنما يقال أجمعت أمرى، لأن معنى أجمع الأمر، نواه وعزم عليه، وحذف الفعل كثير فى القرآن وحذفه إنما يكون على جهة الإيجاز بالحذف من أجل البلاغة.

الصورة الثانية: [حذف الفاعل] ،

وحذفه إنما يكون إذا دلت عليه دلالة، وقد منع الشيخ عثمان بن جنى من النحاة حذف الفاعل، ونص على استحالة ذلك، والمختار هو المنع من حذفه من غير دلالة تدل عليه حالية أو مقالية، فأما مع القرينة، فلا يمتنع جوازه، ويدل على حذفه قوله تعالى: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦)

[القيامة: ٢٦] فحذف فاعل بلغت والغرض النفس، وليس مضمرا لأنه لم يتقدم له ظاهر يفسره، وإنما دلت القرينة الحالية عليه، لأنه فى ذكر الموت ولا يبلغ التراقى عند الموت إلّا النفس، وقوله تعالى:

لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ

[الأنعام: ٩٤] فى قراءة من قرأ بينكم بالنصب، والمراد لقد تقطّع الأمر بينكم، وقوله تعالى: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)

[يوسف:

٣٥] والغرض ثم بدا لهم أمر، وقول حاتم «١» .

أماوىّ ما يغنى الثّراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر

ومنه قول العرب «أرسلت المطر» والمراد أرسلت السماء المطر، وهذه الكلمة إنما تقال عند نزول المطر، فدل ظاهر القرينة الحالية على ذلك، فإذن لا وجه لكلام ابن جنى فى المنع من حذف الفاعل مع هذه الشواهد.

الصورة الثالثة: [حذف المفعول] ،

والحذف فيه قد يكون على وجهين، أحدهما أن يحذف على جهة الاطّراد، وينسى فعله، ويجعل كأنه من جملة الأفعال اللازمة، لأن الغرض هو ذكر الفعل دون متعلّقه، ومن هذا قولهم فلان يعطى ويمنع، ويصل ويقطع، ويحل ويعقد، وينقض ويبرم، وينفع ويضر، فلما كان المقصود ذكر الفعل على جهة الإطلاق لم يحتج إلى ذكر مفعوله ومتعلّقه، وعلى هذا ورد قوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (٤٤)

[النجم: ٤٣- ٤٤] وثانيهما أن يحذف من جهة اللفظ ويراد من طريق المعنى والتقدير، وهذا كقوله تعالى فى قصة موسى مع بنتى شعيب، فإنه حذف المفعول فى

<<  <  ج: ص:  >  >>