للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جزلة، ومقاصد سنيّة بمعونة الله تعالى، فمن ذلك قوله تعالى فى سورة الرحمن: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣)

[الرحمن: ١٣] فهذا تكرير من جهة اللفظ والمعنى، ووجه ذلك أن الله تعالى إنما أوردها فى خطاب الثقلين الجن والإنس، فكل نعمة يذكرها، أو ما يئول إلى النعمة، فإنه يردفها بقوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣)

تقريرا للآلاء، وإعظاما لحالها، ومن ذلك فى سورة القمر قوله: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨)

[القمر: ١٧- ١٨] وإنما كرره لما يحصل فيه من إيقاظ النفوس بذكر قصص الأولين، والاتّعاظ بما أصابهم من المثلات، وحل بهم من أنواع العقوبات، فيكون بمنزلة قرع العصا، لئلا تستولى عليهم الغفلة، ويغلب عليهم الذهول والنسيان، وهكذا ما ورد فى سورة المرسلات وغيرها، وإنما كرر ذلك لأنه لما ذكر يوم القيامة وأنه كائن لا محالة، ثم عدد هذه الأمور كلها، وأنها كالدلالة عليه، وما من واحدة منها إلا ويعقبها بقوله: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩)

[المرسلات: ١٩] مبالغة فى الإنكار عليهم وتأكيدا لوقوع السخط والغضب لأجل تكذيبهم، وحذارا عن الإتيان بمثل ما أتوا به من إنكار هذا اليوم العظيم، وهكذا القول فيما ورد من الآيات المكررة، فإنها لم تتكرر إلا لمقصد عظيم فى الرمز إلى ذلك المعنى الذى سيقت من أجله، فليحكّ الناظر قلبه فى إدراك تلك اللطائف، وليجعلها منه على بال وخاطر، ولا يتساهل فى إحرازها فيلمحها بمؤخر عينه، فإنها مشتملة على أسرار ورموز، ومن أحاط بها فقد أوتى من البلاغة مفاتيح الكنوز، هذا كله فيما تكرر لفظه مرات كثيرة، من آى التنزيل، فأما ما كان تكريره مرتين فهو غير خال عن فائدة ظاهرة، وهذا كقوله تعالى: وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ

[الأنفال: ٧] ثم قال بعد ذلك لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ

[الأنفال: ٨] فهذا وإن تكرر لفظه ومعناه، فلا يخلو عن حال لأجله وقع التغاير، وذلك من وجهين، أما أولا فلأن الأول وارد على جهة الإنشاء، والثانى وارد على جهة الخبر، وأما ثانيا فلأن الأول وارد فى الإرادة، والثانى وارد فى الفعل نفسه، ولأن الأول الغرض به إظهار أمر الدين بنصرة الرسول بقتل من ناوأه، ولهذا قال بعده وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧)

[الأنفال: ٧] والغرض بالثانى التمييز بين ما يدعو الرسول إليه من التوحيد، وإخلاص العبادة لله، وبين أمر الشرك وعبادة الأصنام، ولهذا قال بعده وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)

[الأنفال: ٨] ومن ذلك قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ

[الحجرات: ١٥] ثم قال بعد ذلك إِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>