للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها خلاف بين النحاة، فمن قائل إنها كالأفعال فتكون فى الإثبات إثباتا، وفى النفى نفيا، ومن قائل إنها تخالف الأفعال، فتكون فى الإثبات للنفى وفى النفى للإثبات، وصار صائرون إلى التفرقة، فتكون فى الماضى إذا نفى للإثبات، وفى المستقبل كالأفعال، تمسّكا بقوله تعالى: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)

[البقرة: ٧١] وقد فعلوا، والمختار أنها جارية على حكم الأفعال فى النفى والإثبات، فإذا قلت: ما كاد يفعل، فالغرض أنه لم يفعل ولا قارب الفعل، وإذا قيل: يكاد يفعل، فالمراد من ذلك أنه قارب فعله ولم يفعله، فتجدها مطابقة للأفعال فى نفيها وإثباتها، فأما ما قاله ذو الرمة فى قصيدته الحائية «١» :

إذا غيّر النأى المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح

فإنه يحكى أنه لما أنشد هذا البيت، ناداه ابن شبرمة ياغيلان أراه الآن قد برح، فشنق ناقته، وجعل يتأخر بها ويفكر ثم قال:

إذا غيّر النأى المحبين لم أجد ... رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح

قال عنبسة فحكيت لأبى القصة فقال أخطأ ابن شبرمة حين أنكر على ذى الرمة، وأخطأ ذو الرمة، حيث غيّر شعره لقول ابن شبرمة، إنما هذا كقول الله تعالى: ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها

[النور: ٤٠] والمعنى أنه لم يرها ولم يقارب رؤيتها، وهكذا القول فى جميع مواردها يكون وضعها على هذا الوضع من غير مخالفة للأفعال.

[الصنف الثالث فى الحروف]

واعلم أن الكلام فى أسرار الحروف يتعلق بعلم الإعراب، وإنما نذكر أفرادا من الحروف لها تعلق بالبلاغة ومواطن الفصاحة، ونورد من ذلك صورا:

«الصورة الأولى» [ «إنما» ]

فى قولك: إنما أنت الكريم، وهى ترد للحصر فيما هى فيه، فمعنى إنما فى قوله تعالى: أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ

[الكهف: ١١٠] ما إلهكم إلا إله واحد، قال أبو على الفارسى فى الشيرازيات، يقول جماعة من النحاة فى قوله تعالى: إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما

<<  <  ج: ص:  >  >>