للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسى نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم آيات المقدرة، من سقف فوقهم مرفوع، ومهاد تحتهم موضوع، ومعايش تحييهم، وآجال تفنيهم، وأوصاب تهرمهم، وأحداث تتابع عليهم، ولم يخل الله سبحانه خلقه من نبى مرسل، أو كتاب منزل، أو حجة لازمة، أو محجة قائمة، رسل لا تقصر بهم قلة عددهم، ولا كثرة المكذبين لهم من سابق سمى له من بعده، أو غابر عرفه من قبله، على ذلك نسلت القرون، ومضت الدهور، وسلفت الآباء، وخلقت الأنباء، فهذه نكتة عجيبة ضمنها ما كان من بعثة الأنبياء وتبليغهم للشرائع وصبرهم على أداء ما حملوه

النكتة العاشرة يذكر فيها بعث الرسول صلّى الله عليه وسلّم، واصطفاء الله له

قال ثم إن الله بعث محمدا صلّى الله عليه وسلّم لإنجاز عدته، وإتمام نبوته، مأخوذا على النبيين ميثاقه، مشهورة سماته، كريما ميلاده، وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة، وأهواء منتشرة، وطوائف متشتتة، بين مشبه لله بخلقه، أو ملحد فى اسمه، أو مشير إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة، ثم اختار سبحانه لمحمد صلّى الله عليه وسلّم لقاءه، ورضى له ما عنده، وأكرمه عن دار الدنيا، ورغب به عن مقام البلوى، فقبضه إليه كريما، صلى الله عليه وعلى آله، ثم خلف فيكم ما خلفت الأنبياء فى أممها، كتاب ربكم مبينا حلاله، وحرامه، وفضائله وفرائضه وناسخه، ومنسوخه ورخصه وعزائمه، فهذه النكت قد جمعناها من كلامه ههنا مثالا للإطناب ليتفطن الناظر أنه لا وادى من أودية البلاغة إلا وقد سلكه، ولا زمام من أزمة الفصاحة إلا وقد استولى عليه بفكره وملكه فصار أوفر البلغاء فى البلاغة نصيبا وسهما، وأكثرهم بها فى الإحاطة علما وفهما، وحق لكلامه عند ذاك أن يقال فيه إنه كنيف ملىء علما.

[النوع الرابع فيما ورد من كلام البلغاء فى الإطناب،]

فمن ذلك ما قاله ابن الأثير فى وصف بستان:

هو جنة ذات ثمار مختلفة الغرابة، وتربة منجبة وما كل تربة توصف بالنجابة، ففيها المشمش الذى يسبق غيره بقدومه، ويقذف أيدى الجانين بنجومه، فهو يسمو بطيب الفرع والنجار، ولو نظم فى جيد الحسناء لاشتبه بقلادة من نضار، وله زمن الربيع الذى هو

<<  <  ج: ص:  >  >>