للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما من قال إن اللام للعاقبة كالتى فى قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً

[القصص: ٨] فإنما كان ذلك من أجل ضيق العطن، وعدم الوطأة ورسوخ القدم فى علوم البيان، وبعدهم عن الإحاطة بحقائق التشبيه والاستعارة، فلا جرم عولوا على هذه التأويلات الركيكة والمعانى المبادرة، ونزول هذه الآية إنما كان قبل الفتح بعد رجوعه من الحديبية، وبعد عمرة القضاء، أنزلها الله تعالى عليه بشارة له وشرحا لصدره، وتسلية على قلبه بما وعده من النصر والفتح والهداية والإعزاز، وإنما جاء بلفظ الماضى مبالغة فيه وتوكيدا، وكأنه لشدة تحققه وثبوته كأنه قد مضى وتقضى فأشبه الماضى فى تقريره، ومن هذا قوله تعالى فى افتتاح سورة النساء يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً

[النساء: ١] لأنه لما كان غرضه بيان الأحكام المشروعة فى حقهن من الطلاق، والميراث، وغير ذلك من الأحكام، صدر السورة بما يكون فيه دلالة وتنبيه على ذلك، وخالف ما ذكره فى صدر سورة الحج لما ذكره فى سورة النساء حيث قال يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١)

[الحج: ١] لأنه لما كان غرضه ذكر البعث والاحتجاج عليه والنعى على منكريه صدره بما يلائمه ويناسبه من ذلك، فافتتاح كل واحدة من السورتين مخالف للأخرى؛ لكنه مناسب لما يريد ذكره من كل واحد منهما من الأغراض والمقاصد التى ضمنها فيهما، فافتتاحهما، ملائم لهما كما ترى، ولهذا فإن الله تعالى لما أراد شهر السيف وأذن للرسول فى القتال وكان بينه وبين ناس من العرب عهود وإخلاف صدر سورة التوبة بذكر البراءة لما أراده من قطع تلك العهود ونبذها، فافتتاحها مناسب لما يريد ذكره فيها من المباينة وشن الغارات وسل السيف.

[المثال الثانى ما ورد من السنة الشريفة،]

فمن ذلك ما رواه ابن عمر رضى الله عنه قال:

كان يعلمنا خطبة الحاجة بقوله الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، فهذه الكلمات كان يذكرها إذا أراد حاجة من الحوائج من نكاح، أو موعظة، أو فصل قضية، أو غير ذلك من سائر الحاجات، فانظر إلى اختياره صلّى الله عليه وسلّم فى افتتاح كل أمر كيف صار ملائما للمطلوب من جميع الأفعال المطلوبة، فافتتح بالتعريف والإقرار باستحقاق الحمد لله فى كل حال لا يختص

<<  <  ج: ص:  >  >>