للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتغامز الناس به وتطير به المعتصم وعجبوا من غفلة إبراهيم عن مثل ذلك مع معرفته وعلمه وطول مخالطته للملوك، فأقاموا أياما وانصرفوا فما عاد منهم اثنان إلى ذلك المجلس، وخرب القصر بعد ذلك، وما كان أخلق هذا المقام ببيت السلمى الذى حكيناه عنه من قبل الذى مطلعه «قصر عليه تحية وسلام» فانظر ما بين هذين الافتتاحين، وكم بين المطلعين، ومن ذلك ما قاله أبو نواس:

يا دار ما فعلت بك الأيام ... لم تبق فيك بشاشة تستام

وهذه القصيدة هى من محاسن شعره وغرائبه، خلا أنه أساء فيها الافتتاح والمطلع، أنشأها ممتدحا بها الأمين ابن هارون، وتعفية الديار ودثورها مما تكره مقابلة الخلفاء والملوك به، لما فيه من الطيرة وقبح الفأل، ومن الافتتاحات المكروهة ما قاله البحترى فى قصيدة أنشأها مدحا، فأذهب روحها بهذا الافتتاح السيىء ومطلع هذا الافتتاح بأن يكون مرثية أحق من أن يكون مديحا قال:

فؤاد ملاه الحزن حتى تصدّعا

فمثل هذا يتطير به وتنبو عنه الأسماع، ومن قبيح الافتتاح وشنيعه ما قاله ذو الرمة:

ما بال عينك منها الماء ينسكب «١»

فما هذا حاله لا خفاء بقبحه إذ كان موجها للمدح، ولما أنشد الأخطل عبد الملك بن مروان قصيدته التى مطلعها «خفّ القطين فراحوا منك أبو بكروا» فقال له عبد الملك: بل منك فغيره ذو الرمة فقال فيه «خفّ القطين فراحوا اليوم أو بكروا» ومن قبيحه ما قاله البحترى:

إنّ للبين منّة لا تؤدّى ... ويدا فى تماضر بيضاء

فما هذا حاله أعنى ذكر النساء بأسمائهن مما يثقل على اللسان، فإيراده فى الغزل مما يشوه رقته، ويحط من خفته، وإنما يستحسن من الغزل بأسماء النساء من كان خفيفا على اللسان، كأميم، وسعاد، وقد عيب على الأخطل أيضا تغزله بقذور، لما فيها من الثقل فى المنطق، فما هذا حاله ينبغى تجنبه فى الأشعار، فقد عرفت بما ذكرناه ما تجب مراعاته فى الافتتاحات والمطلع وما يجب تجنبه فى ذلك منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>