للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١)

[الشعراء: ٦٩- ٨١] ثم قال رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣)

[الشعراء: ٨٣] ثم أردفه بقوله وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١)

[الشعراء: ٩٠- ٩١] ثم قال فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥)

[الشعراء: ٩٤- ٩٥] إلى قوله فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢)

[الشعراء: ١٠٢] فلينظر إلى هذا الكلام الذى يسكر العقول رحيقه، ويسحر الألباب تحقيقه، وهو غاية منية الراغب، ونهاية مقصد الطالب، فإنه متى أنعم النظر فى مبانيه، وتدبر أسراره ومعانيه، علم قطعا أن فيه غنى عن تصفّح الكتب المؤلفة، وكفاية عن الدفاتر المؤتلفة، فيما يقصد من معرفة هذا الأسلوب من علوم البلاغة، وقد اشتمل على تخلّصات عشرة منتظمة نوضحها بمعونة الله تعالى.

[التخلص الأول]

هو أنه لما أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتلاوة نبأ إبراهيم صلوات الله عليه، وما كان له مع أبيه وقومه من الخصومة والجدال فى عبادة الأوثان والأصنام، صدر القصة بذلك شرحا لصدره وتسلية له فيما يلاقى من قريش، ثم خرج إلى شرح حال إبراهيم وما جرى له، فانظر إلى حسن ما رتّب إبرهيم كلامه مع أهل الشرك حين سألهم عما يعبدون سؤال مقرر، لا سؤال مستفهم، فأجابوه بما هم عليه من ذلك، وبالغوا فى الجهل والإفراط فى الغى، فقالوا: نعبد أصناما ولقد كان يكفيهم ذلك فى الإجابة عما سألهم، لكنهم تعمقوا تهالكا فى الإصرار وتماديا فى نفارهم عما دعاهم إليه بقولهم فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١) .

[التخلص الثانى]

أنهم لما أجابوه أراد أن يحقق عليهم الأمر حتى لا يكون لهم سبيل إلى الجحود، فخرج عن ذلك إلى إبطال ما قالوه من عبادة آلهتهم وأنحى عليها من البرهان جرازا مقضبا، ومن الإفحام كلاما منظما مهذبا، فصدره بالاستفهام تأدبا منه وملاطفة لهم، ولم يأت بحجته على جهة القطع منه بها، كمن ينكر الحدوث فى العالم فتقول له هل يجوز عليه التغير، ولم يقل من أول وهلة إن قولكم هذا باطل لا حقيقة له، ثم أورد فى إبطال إلهيتها أدلة ثلاثة، أولها أنها لا تسمع دعاء، ولا تدرك نداء، لكونها جمادا حجارة صلدة لا حياة لها ولا حراك بها، ومن هذه حاله فكيف يكون أهلا للعبادة، وثانيها قوله: أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ

لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>