للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تنبيه]

اعلم أنا لما فرغنا من تقسيم المقابلة وبيان أمثلتها فلنذكر على أثره الكلام فى المؤاخاة بين المعانى، والمؤاخاة بين الألفاظ، فأما المؤاخاة اللفظية فإنه ينبغى ويحسن مراعاتها، كالإفراد والتثنية والجمع وغير ذلك من الأحكام اللفظية، فإذا كان الأول مفردا استحب فى مقابله أن يكون مفردا مثله، وهكذا إذا كان مجموعا، ومن ثم عيب على أبى تمام قوله فى وصف الرماح «١» :

مثقّفات سلبن العرب سمرتها ... والروم زرقتها والعاشق القصفا

فلما ذكر العرب الروم كان الأخلق به أن يقول «والعشاق» ليوافق الأول فى كونها جموعا كلها، وكذلك لما ذكر الزرقة والسمرة كان الأولى أن يقول «دقّتها» أو يقول «قصفها» ليطابق ما سبق من ذلك، وهكذا ورد فى قول أبى نواس فى وصف الخمر قال «٢» :

صفراء مجّدها مرازبها ... جلّت عن النّظراء والمثل

فجمع ثم أفرد فى معنى، فكان الأحسن أن يقول «والأمثال» ليطابق النظراء، أو يقول «النظير» ليطابق «المثل» وهكذا ورد قوله أيضا على مثل ذلك «٣» :

ألا يابن الذين فنوا فماتوا ... أما والله ما ماتوا لتبقى

وما لك فاعلمن فيها مقام ... إذا استكملت آجالا ورزقا

وكان الأحسن أن يقول: إما أجلا ورزقا فيفردهما جميعا، وإما أن يقول: آجالا وأرزاقا، فيجمعها جميعا من غير مخالفة بينهما، وهذا الذى ذكرناه من هذه المراعاة ليست على جهة الوجوب، بل المراد من ذلك طريقة الحسن والإعجاب، ولهذا ورد فى كتاب الله تعالى كقوله تعالى: طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ

[النحل: ١٠٨] وقوله تعالى:

شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ

[فصلت: ٢٠] وقوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ

[البقرة: ٧] فلو كان ركيكا لما ورد فى القرآن، وهو أفصح

<<  <  ج: ص:  >  >>